سليم علاء الدّين
فرضت الأحزاب الدينيّة، ولا سيّما حزب الله وحركة أمل، وجودها في معهد الفنون الجميلة ـــ الفرع الأول من الجامعة اللبنانية، في ظلّ تراجع نشاط الأحزاب والحركات الطلّابية اليساريّة التي بدأت تتخوّف من «الأسلمة» الظاهرة في آخر «معاقل التحرّر»

تغيّر المشهد السياسيّ في معهد الفنون الجميلة ـــــ الفرع الأوّل في الجامعة اللبنانيّة في السّنتين الأخيرتين. فالمعهد الذي كان «معقلاً» للأحزاب اليسارية، بدأ يشهد إقبالاً كبيراً من الأحزاب التي تحمل طابعاً دينيّاً أو طائفيّاً، كحزب الله وحركة أمل وتيّار المستقبل.
فمنذ انتقال المعهد إلى المجمّع الجامعي في الحدث، بدأت تتجلّى مظاهر «الأسلمة» بسيطرة مناصري الأحزاب الجدد على انتخابات مجلس طلّاب الفرع، فكان أول قراراتهم «العبث» في المناهج، حيث ألغوا تدريس مادة «الموديل العاري» التي تُدرّس في قسم الرسم والتصوير بسبب «مخالفتها القواعد الشرعية»، مقابل الزيادة اللافتة في النشاطات الدينية.
وأمام هذا الواقع الجديد، اختلف شكل «الصراع السياسي» في الجامعة، فبين «الأسلمة» ــــــ إذا صحّ التعبير ـــــ والتحرّر، وجد «اليساريّون» أنفسهم ضائعين في تشخيص الظاهرة، ومتّفقين على التقصير الكبير في عمل الحركة الطلّابية اليسارية في المعهد. فمن جهته، يصرّ الطالب محمد بزي (يساري مستقل) على أنّ معهد الفنون الجميلة، يجب أن يكون منبعاً للأفكار المتميزة عن الكليات والمعاهد الأخرى، مشيراً «إلى أنّ ما يحدث هو العكس، إذ يسعى أتباع الأحزاب الدينيّة بأساليبهم الاستفزازيّة خلال المهرجانات والندوات، إلى تعزيز محاولاتهم للسيطرة على الطلبة باسم الدين». أمّا اليساريّ الآخر الطالب كرم غصين، فيرى أنّ سبب «أسلمة» المعهد يعود إلى الجوّ السّياسي السائد في لبنان، «وخصوصاً بعد عدوان تمّوز ودخول حزب الله في معترك الحياة السّياسيّة اللبنانيّة بشكل فاعل، وما تبعه من نشاط كبير لطلّابه في الجامعات». وإذ يذكّر غصين «بأنّ اختصاصات مثل الرسم والمسرح يجب أن تفتح المجال أمام التحرر وحرية التعبير اللّذين تقيدهما التقاليد الدينية»، لا يترددّ في لوم «اليسار الصامت تجاه ما يجري في حرم المعهد، مخلياً السّاحة الطلّابيّة للأحزاب الدينيّة».
والطّالب عبده شاهين من الحزب الشيوعي اللبناني، إذ يعترف بهذه الظاهرة، إلاّ أنّه يقارب الوضع من ناحية التشابه بين المعهد ووضع البلد، مشيراً إلى «أنّ الانقسامات والتشكيلات الموجودة في معهد الفنون وفي الجامعة اللبنانية عامّةً هي نتيجة طبيعية للانقسامات الموجودة في المجتمع اللبناني وما من شيءٍ مقصود، فالبلد كلّه طائفي». ويؤكّد شاهين أنَّ «القوى المسيطرة على الجامعة اللبنانية بمعظم فروعها قوى يمينية وطائفية، وإن ادّعت العكس». ويطرح العديد من التساؤلات عن «اختفاء مجموعة من طلّاب التيّار الوطني الحر من الفرع الأول من المعهد وانتقالهم إلى الفرع الثاني»، مرجعاً السبب إلى «أنّ هناك مشكلة في الاختلاط الاجتماعي بين أطراف اليمين». ويبدي أسفه «لوجود قوى في كلّيات الجامعة اللبنانية تدّعي العلمانية في طروحاتها كالمستقبل والتيّار الوطني الحر، فيما تخالف مبدأها عند التنفيذ». ويرى شاهين، من جهة ثانية، «أنّ أزمة الفنون قد تكون منظّمة، وخصوصاً أنّ 90 في المئة من الطلّاب المقبولين في المعهد محسوبون على أحد الطرفين، فإمّا حزب الله أو حركة أمل».
من ناحية أخرى، ترى الطالبة فرح ورداني (يسارية مستقلة) «أنّ الهجمة الإسلامية لا تنحصر في معهد الفنون فقط، وإنمّا تغزو المجتمع ككل، وذلك بسبب الأوضاع السياسيّة والأمنيّة التي تتحكّم في هذا الشأن». أما في ما يخصّ الإقبال على اختصاصَي المسرح والسينما، فتؤكّد ورداني أنّه «يخدم أغراضاً سياسية ووسائل إعلامية محدّدة». ولا تتردد في إلقاء اللوم، كما زملاؤها، «على المنظّمات اليسارية التي استسلمت وتغيّبت عن المعهد فاتحة المجال أمام الإسلاميين للحضور مكانها».
غير أنّ الصورة تبدو مختلفة بالنسبة إلى طلّاب حركة أمل وحزب الله، إذ ترفض الطالبة سارة عتريسي (التعبئة التربوية في حزب الله) الاتّهامات الموجّهة إلى الأحزاب الدينية، مشدّدةً على «حق حزب الله أو حركة أمل في إقامة نشاطات داخل حرم المعهد والجامعة». وترى أنّ السبب الرئيسي في طغيان اللون الإسلامي على معهد الفنون «هو الانتقال من الروشة إلى الحدث القريبة من الضاحية الجنوبية لبيروت». بدوره، يلفت الطّألب أحمد الحاج حسن (التعبئة التربوية) إلى أنّ «طرح موضوع أسلمة المعهد خاطئ، لأن الأمر لا يقاس بالتحرّكات والنشاطات التي تعدّ حقاً للجميع، وخصوصاً عندما تكون لمصلحة الطلّاب». ويختم الحاج حسن ضاحكاً «شيء جميل أن يُطرح الموضوع الآن ،إذ إننا نطالب بافتتاح غرفة ثانية للمصلّى في المعهد لأن واحدة لم تعد تكفينا، فهل للأمر علاقة بهذا؟».