يانوح ــ آمال خليل
في أوائل شهر أيار الفائت، خصّ رئيس مجلس النواب الإيطالي فاوستو برتينوتي بلدة يانوح (قضاء صور) بزيارة خاصة في إطار تفقده لجنود بلاده العاملين في إطار قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. ولئن أراد برتينوتي أن يعاين شخصياً واقع إحدى بلدات القطاع الغربي ضمن نطاق عمل الوحدة الإيطالية على حقيقتها، فلم يجد الجنود الإيطاليون أفضل من يانوح التي تحيد التنمية والمساعدات دوماً عن مفترق البلدة فلا تصل إليها. حطّ برتينوتي في يانوح وتفقد أهلها وعاين من على بعد، أراضيها المليئة بالقنابل العنقودية ودشّن حديقة زيتون في ساحة البلدة التي سمّاها أهلها لاحقاً باسمه وباسم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وربت على أكتاف أطفالها، الذين قال فيهم في الكنيست الإسرائيلي الذي وصله بعدها بأنه «حرام ألا يعيشوا بسلام».
ولأن السلام «ليس أماناً فقط من الحرب الإسرائيلية بل أيضاً من العدوان الرسمي في الإهمال والحرمان»، ناشد رئيس بلدية يانوح علي جابر برتينوتي بأن ينظر بعين الرحمة إلى البلدة الحاملة على كتفها الموقع العسكري الإيطالي، قررت بلدية «فيلله سبيتشوزا» الواقعة في جزيرة سردينيا الإيطالية قبل أسبوعين أن تتواءم مع بلدية يانوح في إطار مشروع التوأمة بين بعض البلديات الإيطالية واللبنانية بهدف تحسين وتنمية القطاع البلدي في لبنان. وبالتوازي، أعلنت «منداس»، إحدى بلدات الجزيرة الإيطالية توأمتها مع بلدة العديسة الحدودية. وبعد أسبوعين، يزور جيوم إليو ماملي رئيس بلدية «فيلله سبيتشوزا» على رأس وفد، بلدة يانوح للمرة الأولى إثر دعوة رسمية من رئيس بلديتها، للوقوف على أحوالها وواقع سكانها لدراسة خطط الدعم والمساعدة. فما الذي سيكون في استقبال الوفد الإيطالي الآتي من الموقع السياحي الأهم في سردينيا؟!

إلى يانوح در

في الطريق الرئيسية إلى يانوح، سيحظى الزائرون بالسير الهانئ على الزفت الإيراني وعلى طول البلدات المحيطة بالطريق يرون القصور والأبنية حتى يخالون بأن لا حاجة لوجودهم الداعم هنا. إلا أن نهاية المطاف تنذر بمشهد مغاير حيث تتفرّق جميع البلدات من الدرب لتبقى يانوح وحدها محاصرة بالجبال من نواحيهاالمختلفة، ما جعلها مقطوعة تاريخياً عن محيطها الحيوي. وسيجول الوفد الإيطالي بين البيوت المتواضعة والأزقة الضيقة ومركز البلدية، وهو عبارة عن بيت قديم صغير قدمه أحد الأهالي للمجلس البلدي الذي يعتمد على المساعدات التي تقدمها الهيئات الدولية واليونيفيل لأن الحكومة لم تصرف لها الأموال منذ عام 2005.
وإذا أراد الوفد الإيطالي تحديد نقطة بداية رفع الحرمان المزمن عن يانوح فإن المهمة سهلة لأن أي مساعدة تجد مكانها في البلدة. وكانت الوحدة الإيطالية قد شرعت بتجهيز غرفة بجانب مركز البلدية لتصبح مستوصفاً، حرمت منه البلدة لسنوات طويلة، إضافة إلى طبيب إيطالي يعاين فيه أسبوعياً. كما قدمت الوحدة مولداً كهربائياً.

مشاكل بالجملة

ليس في يانوح سوى مدرسة ابتدائية رسمية كما إنها محرومة من المياه، فيما مشروع آبار المياه الأكبر في المنطقة يبعد أمتاراً عنها. فبالرغم من أن البلدة ترقد على أكبر تجمع للمياه الجوفية، جاء افتتاح آبار يانوح في عام 2004 ليضخ المياه لسبعين بلدة في قضاء صور وجواره، إلا أنه لم يشغّل حتى الآن، بل تولت الحكومة الألمانية تجهيزه قبل أشهر عدة. لكن المشكلة الأكبر هي أن الشركة المكلفة بحراسة الآبار أخلت المبنى في أيار الفائت من دون تسليمه إلى الجهات المختصة، ما أشاع الفوضى وعرّض محتوياته وآلاته للسرقة، الأمر الذي دفع البلدية إلى تكليف شرطي لحراستها بشكل مؤقت «بانتظار تحرك القوى الأمنية الرسمية أو تحمل وزارة الطاقة والمياه لمسؤولياتها وإعطائها الأوامر بالتشغيل»، بحسب رئيس البلدية علي جابر.
وكانت البلدية قد طالبت مراراً وزارة الأشغال بتعبيد طريق الحضايا الذي يربط بين قضاءي بنت جبيل وصور، ويمر معظمه في يانوح ويكبّد سالكيه خسائر في الأرواح والسيارات. ولما كانت الطريق معبدة منذ عام 1980، برزت الحاجة منذ سنوات إلى تأهيلها، وهو ما لم تتحرك لأجله الوزارة، ما دفع بالبلدية إلى طلب التمويل لتعبيدها من البنك الدولي الذي أمّن جزءاً من الكلفة بانتظار موافقة الهيئة الإيرانية لمساعدة لبنان على تبني الجزء الباقي.
لكن الحلم الأكبر الذي يراود أهالي يانوح هو أن تفك عزلتها وتخترق الجبال التي تحاصرها، ما يعكس حيوية وتطوراً في واقعها المعيشي. وتنتظر البلدة الشروع بتنفيذ مشروع شق طريق في الجبال يربطها بقرى الجوار من خلفها، بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء صور إثر تأمين التمويل اللازم، علماً بأن الطريق هذه مخططة من قبل وزارة الأشغال منذ عام 1963 ومستملكة من الحكومة اللبنانية.