نقولا ناصيف
قبل أيام من الموعد المضروب للاجتماع الثاني لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، الأحد المقبل، بعد أول عقدوه في 6 كانون الثاني، لم يتزحزح أي من طرفي النزاع العربي والمحلي قيد أنملة عن موقفه. اتفقا على المبادرة، واختلفا على تطبيقها. وفيما يُنتظر من اجتماع الأحد تقويم نتائج مهمة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في بيروت لتنفيذ مبادرة الوزراء العرب، الأرجح أنه سيعيدهم إلى الصفر من حيث بدأوا. والواضح في خلاصة مهمة موسى أن أصل المشكلة لم يُسوَّ، وأن المبادرة العربية ذهبت إلى المكان الخطأ، وهو معالجتها ذيول ما هو ناشب بين الرياض ودمشق من غير أن تذهب، في أبسط الأحوال، إلى حيث كان يقتضي أن تبدأ، وهو مصالحة عناصر المشكلة بعضها مع بعض.
بسبب ذلك يقول مسؤول سوري بارز إن حرب الاجتهادات في التفسير انفجرت بعد 24 ساعة من إقرار المبادرة التي لم يلتبس على الوزراء العرب الحاضرين، عندما ناقشوها في الاجتماع الخماسي مساء 5 كانون الأول، ثم في المشاورات الجانبية التالية، ثم في الاجتماع الرسمي في الجامعة العربية، طريقة تفسيرها والإطار الحقيقي لوضعها موضع التطبيق.
على نحو كهذا، تستعد دمشق في الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية العرب لتأكيد الموقف نفسه الذي اتخذته في اجتماع 5 كانون الثاني، والإصرار على ما تراه «روحية الحل» الذي أقرّه الوزراء، وتالياً ما تظنّه التفسير الحتمي والوحيد لوضع المبادرة العربية للحل اللبناني قيد التنفيذ.
وهو ما يورده المسؤول السوري البارز في المعطيات الآتية:
1ــ ليس للمبادرة العربية إلا تفسير واحد يضعها موضع التنفيذ، وهو أن أياً من قوى 14 آذار والمعارضة لا يحصل على نصاب في مجلس الوزراء من أي نوع كان. لا الثلثان، ولا النصف الزائد واحداً، ولا الثلث الزائد واحداً. لم يستقر اجتماع الوزراء العرب على أي رقم في احتساب توزيع الحصص الوزارية بين الموالاة والمعارضة. ولم يضعوا نصب أعينهم معادلة محددة أرسوا عليها قاعدة أن لا استئثار لأحد، ولا تعطيل لآخر. إلا أن ما كان مؤكداً وعلنياً، هو أن وزير الخارجية السورية وليد المعلم عندما فوتح بمعادلة 14 + 10 + 6، كان جوابه أنها أساس المعادلة التي اقترحتها المبادرة الفرنسية، ورُفضت في لبنان. وكان ردّه حاسماً لإخراج هذه المعادلة من تداول الوزراء، أو اعتبارها تمثل روحية البند الثاني في المبادرة العربية، أو حتى أنها تشكّل آلية تطبيقه. والصحيح أيضاً أن الرقم 10 + 10 + 10 لم يُطرح قط.
وهكذا ليست ثمة حاجة إلى اجتهاد في تفسير مستقل للبند الثاني من المبادرة بمعزل عن الروحية التي أوجبت إجماع الوزراء على إقرارها. وهي أنه لا غلبة لفريق لبناني على آخر، ولا نصاب لأحد دون سواه. ولا استئثار ولا تعطيل، وأن الكفة المرجّحة تكون للرئيس الجديد للبنان قائد الجيش العماد ميشال سليمان. ووفق ما ناقشه الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم في دمشق، في حضور المعلم، ارتكزت المبادئ التي حملها الوزير القطري إلى القاهرة على مبدأين تمسكت بهما دمشق: التوافق اللبناني، ولا غلبة لفريق لبناني على آخر.
2 ــ أبرزت الوقائع التي رافقت اجتماع الوزراء المصري والسعودي والسوري والعماني والقطري في منزل موسى في القطّامية مساراً غير ملتبس لانطلاق المبادرة العربية، وسرعان ما انقلبت المواقف في اليوم التالي بعدما أُطلقت إشارات التفسيرات المتعارضة والمتناقضة. كان الوزراء المصري والسعودي والعماني أول الواصلين إلى بيت موسى، تلاهم القطري الذي أطلعهم على حصيلة لقائه بالرئيس السوري في دمشق. وبعد وصول المعلم لم يستمر الاجتماع الخماسي سوى 50 دقيقة لم تشهد أي توتر أو ردود فعل أو مناكفات بين الحاضرين، وأخصهم الأمير سعود الفيصل والمعلم. وبدا أن الاتفاق حصل في اللقاء التمهيدي الذي سبق الاجتماع الخماسي. وهو ما عبّرت عنه المكالمة الهاتفية التي أجراها الوزير القطري بالأسد من مبنى الجامعة العربية في وقت لاحق قبل انعقاد الاجتماع الرسمي التحضيري، مساء السبت 5 كانون الأول، وأبلغ إليه أن الوزراء الخمسة أقرّوا ما ناقشه حمد بن جاسم مع الرئيس السوري قبل توجّهه إلى القاهرة. وقرأ الوزير القطري للأسد النص الكامل للمبادرة العربية تبعاً لما اتفق عليه في القطّامية، وإلى جانبه الوزير أحمد أبوالغيط وموسى.
بذلك خرجت المبادرة العربية إلى العلن مساء السبت، فيما كان مقرّراً إعلانها رسمياً في اليوم التالي، ظهر الأحد 6 كانون الثاني، فاجتمع الوزراء العرب وقد طووا البند اللبناني.
3 ــ استناداً إلى ما يرويه المسؤول السوري، فإن اجتماع الوزراء العرب في مقرّ الجامعة شهد تحفظاً من وزير الخارجية اللبناني بالوكالة طارق متري، يرافقه مستشار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة السفير محمد شطح، عن البند الثاني من المبادرة. فكان جواب المعلم أنه لن يقبل أي تعديل على ما تمّ الاتفاق عليه و«إلا فنحن خارج الموضوع». ولم يكن متري دُعي إلى اجتماع الوزراء الخمسة الذي بدا أنه رمى إلى تحقيق تفاهم سعودي ـــ سوري على المشكلة اللبنانية. إلا أن الفيصل وحمد بن جاسم وموسى انتحوا بمتري جانباً وأبلغوا إليه فحوى ما اتفق عليه في القطّامية. وكان المعلم قد استبق موقفه هذا بكلام مماثل قاله قبل بدء الاجتماع الرسمي للوزراء مساء السبت، وهو أن المبادرة، بالصيغة المتفق عليها بين الوزراء الخمسة وقبلاً في لقاء الأسد مع الوزير القطري، نهائية وغير قابلة للتعديل.
في حصيلة الأمر أقرت المبادرة بإجماع الوزراء العرب في اجتماع لم يستمر أكثر من 40 دقيقة، بما في ذلك اللقاءات والمصافحات والحوارات الجانبية. ولم يطلب الكلام في الاجتماع سوى المعلم وثلاثة وزراء عرب قبل ارفضاض الجلسة.
ويلاحظ المسؤول السوري أن ثمة تفاصيل هامشية رافقت اجتماع الوزراء كانت لها دلالتها، منها قيام السفير السعودي في بيروت عبد العزيز الخوجة بمصافحة المعلم مصافحة حارة وتقبيله قائلاً: «مبروك»، وأبدى رغبته في زيارة دمشق قريباً. وكانت هذه إشارات واضحة إلى أجواء ودّ بدا أنها طبعت التفاهم السعودي ـ السوري برعاية مصرية وقطرية على البنود الخمسة في المبادرة العربية.
لكن في اليومين التاليين بدا الأمر مختلفاً.