strong>بيسان طي
• محاولة خاصّة للإجابة عن الأسئلة حول فشل حركات التحرّر


بحماسة يتحدث شباب حركة الشعب عما يقومون به، عن انتمائهم، عن الحركة... وعن صداقاتهم. غاضبون دائماً، هم أكثر شبهاً بصور شباب اليسار «أيام العز»، بأولئك الذين كانوا يؤمنون بأن طلب المستحيل هو خطوة نحو إدراك الممكن

صار عمر حركة الشعب نحو 8 سنوات. لم تسلّط عليها الأضواء كثيراً، لكن حضورها مؤكد وكبير.
منذ التسعينيات راحت تظهر حركات ومجموعات شبابية، يسارية في معظمها، بعضها كان خروجاً من عباءات الأحزاب العلمانية والطائفية، وبعضها ولد بعيداً عنها. كانت هذه المجموعات تعبيراً عن رغبة شباب بدخول عالم السياسة ورفض الأحزاب المهيمنة، «ولكن وحدها حركة الشعب صمدت».
كيف ولماذا؟ يجيب الشباب المنضوون تحت لواء الحركة بأنها «حاجة بالنسبة إليهم»، يؤمنون باستمراريتها «لأنها خيار جدي ضد النظام والفكر الطائفيين».
لكن كيف ولدت الحركة أصلاً، ولماذا؟ رئيسها نجاح واكيم يجيب عن هذا السؤال بالعودة إلى سؤال راوده هو كثيراً، وطرحه على ثلاث شخصيات عربية. السؤال كان عن مكامن الضعف أو لماذا فشلت حركات التحرر العربية؟ وقد وجهه إلى بن بله وجورج حبش وحسين الشافعي.
اللقاء بين واكيم وبن بله حصل عام 1982، وكانت إجابة الثائر الجزائري عن سؤال واكيم: «كنا جدداً ونريد أن نتعلم، لكن لم يتركوا لنا الوقت، واكتشفنا أن الاستعمار اقتصادي واجتماعي وثقافي... أدركنا في خضم المعارك أنه لا يمكننا أن نحارب نظاماً عالمياً بثورات إقليمية، ولا بد من نظام عالمي آخر».
أسئلة مماثلة طُرحت بين مؤسسي الحركة: «كيف نكون امتداداً لحركة تحرر عالمية؟ كيف نسهم في إعادة إنتاج حركة تحرر عربية؟ ماذا عن البنية التي نعيشها في لبنان والعالم العربي؟». وفي هذا الإطار يقول واكيم: «منذ ضُربت حركة التحرر العالمية، والأحزاب التي نشأت في العالم الثالث تدور حول عصبيات ما دون الوطنية»، وإذا كانت لبعض الأحزاب أهداف وطنية كالمقاومة، «فإنها يجب أن تجيب عن أسئلة المستقبل». ويعود واكيم للسؤال، مؤمناً بأن حركة التحرر «سقطت بتخلف الأداة لا الفكرة، فيما الغرب كان أكثر مرونة في تطوير أدوات سيطرته».
تختلف حركة الشعب ببنيتها عن البنية الحزبية البحتة، حيث الجميع «متفقون» على كل شيء. النقاشات داخل الحركة دائمة، لكن نقاط التلاقي كثيرة جداً بالطبع منها «موقفنا كان أننا في المعارضة اللبنانية ضد المشروع الأميركي الإسرائيلي، لكن في ما يتعلق بالنقاط الأخرى ناقشنا موضوع: أي دولة نريد أن نبني؟». وهنا يلفت واكيم: «في خطابنا السياسي أجرينا تعديلات كثيرة» كنقد المعارضة أو التوجه الطائفي فيها، وانصب العمل في الحركة في الفترة الأخيرة على الفروع والقطاعات.
من التعديلات إلى النقد الذاتي، في كلام واكيم كما في كلام رفاقه، يجيبون عن أسئلة كثيرة بنقد تجربتهم، ومن الأسئلة الأساسية التي تُطرح داخل الحركة تلك المتعلقة بأخطائها، بمكامن التقصير، بهاجس «لماذا لم نعرف كيف نتوجه إلى كل الناس؟»
لمى جمول (طالبة جامعية) تذكر الاجتماع الأول الذي حضرته. الفتاة الجنوبية بهرتها تلك الحيوية في النقاشات والانتقادات لبعض ممارسات الحركة، «غابت في هذا اللقاء كل طقوس التقديس للقادة كما هي حال الأحزاب والمجموعات الأخرى»، كان الجميع في موضع المساءلة.
المتابع للحركة سيلاحظ أن عمليات النقد الذاتي هي تحديداً أبرز عوامل حيويتها واستمراريتها، إضافة إلى الوضوح: «لا أسرار في الحركة» التي تجيب عن حاجات فئة كبيرة من اللبنانيين. حركة الشعب ليست مجرد ملجأ للهاربين من التركيبة الطائفية، «هنا نستطيع أن نصنع لبناننا الأجمل» يقول محمود سعيد، ويتدخل رفاقه لافتين إلى الانتشار الشبابي للحركة في مختلف المناطق والبلدات «حتى تلك المقفلة طائفياً». وبالنسبة إلى هؤلاء، السؤال عن اختيار حركة الشعب في غير محله، لأنهم لا يرون منها بديلاً «إنها إطار حقيقي للعمل من أجل الإنسان في لبنان، للنضال مع الفقراء، والتفكير بغدنا كلبنانيين دون أن ننسى انتماءنا القومي العربي»، واللبنة الأولى تتم من خلال نبذ حقيقي للطائفية، والابتعاد جدياً عن المصالح الضيقة لأي فرد في الحركة. ويلفت بعضهم إلى الصيت الذائع عن الحركة «الكل يقر بأننا أوادم»، يبدون استعدادهم لتقديم الوقت والجهد والالتزام للعمل من أجل ما يؤمنون به.
في كلام الشبان الذين نلتقيهم يبدو البحث عن مصلحة الآخرين هو الأكثر حضوراً، التفتيش عن الوسيلة الفضلى للتعامل مع مشكلات لبنان، وكيفية بناء أدوات المعالجة أو النضال من أجل الحلول. أما «الإحباط» فكلمة لا يتضمنها قاموس هؤلاء، «مهما ساءت أحوال البلاد». بدل الإحباط ثمة الكثير من الحماسة التي قد تبدو لنسبة كبيرة من الشبان الآخرين أمراً غريباً، وقد يراها البعض «غير موضوعية».
يقول الشباب في حركة الشعب كلاماً كثيراً عن اندفاعهم وحركتهم، يكررون السؤال المتداول بين أعضاء الحركة وقادتها، والذي يشدد عليه واكيم بشكل خاص، ويمكن صياغته كالآتي: «الإحباط يدمر منظومة القيم عند الناس، التحدي بالنسبة إلينا هو كيف نبني القوة ونختار اللحظة المناسبة لهزم الخصم، وكيف نحوّل الرفض إلى مشروع».

متمردون
وخاضعون


«إنها حركة الشعب التي يترأسها واكيم، وليست نجاح واكيم»، هذه الجملة تتردد دائماً على لسان أعضاء الحركة. لا يمكن إنكار شعبية واكيم وتاريخه اللذين اسهما في جذب كثيرين إلى الحركة، لكن واكيم نفسه يصّر على عدم اختصار الحركة به، حين يتحدث فإن رأي الرفاق جزء لا يتجزأ من كلامه، يروي الأمثلة عن اقتراحات لم تنفذ، لأن الآخرين لم يقتنعوا بها. يعتقد أن الحركة ستشهد حيوية كبيرة حين يتسلم غيره رئاستها، ويهتم بنقل القيادة أو المسؤولية في الحركة إلى آخرين. وثمة شرط غير مكتوب للانضمام إلى الحركة «نريد أشخاصاً متمردين لا خاضعين، أشخاصاً يعرفون أن الوصول إلى هدف نبيل لا يمكن أن يتم بأساليب خسيسة» يقول واكيم.

بدايات ونشاط


في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان العمل السياسي في بعض الأوساط الشعبية مرفوضاً تماماً، لكن ثمة مجموعة من الشبان في الجامعة الأميركية في بيروت وفي الجامعة اللبنانية تمردوا على هذه الصورة وكوّنوا مجموعات ـ معظمها يسارية ـ وواجهوا في كلياتهم زملاءهم أبناء الأحزاب المسيطرة على البلاد ومقدراتها، ومن المجموعات واحدة تألفت من شبان عملوا مع واكيم ورفاقه، وانضم بعضهم في ما بعد إلى حركة الشعب.
بعد سنوات يبقى عنصر الشباب هو الأكثر طغياناً في الحركة، ويبدو الجيل الجديد أكثر خبرة من «الخريجين». نشاطاتهم متنوعة وكثيرة، من محاضرات إلى ورشات عمل، ومخيمات، ومعارض وأسابيع فنية ـ ثقافية، إلخ.