رامي زريق
الارتفاع الذي يشهده العالم اليوم في أسعار السلع الغذائية أمر طبيعي جداً، وما لم يكن طبيعياً هو الانخفاض في أسعار الغذاء الذي سبقه، وكان نتيجة الإغراق الذي مارسته بلدان الشمال الغنية لتخلّص مزارعيها من فائض إنتاجهم. منذ سبعينيات القرن الماضي والأسواق المحلية في البلدان النامية مثل لبنان متخمة بالطعام الرخيص، وأصوات منتجيها ومزارعيها تتعالى طالبة الرحمة، وكلما اشتكوا إلى الدولة من المنافسة غير العادلة، نصحتهم بإيجاد ميزتهم التفاضلية (والنصيحة بجمل) أو بترك أرضهم وإغلاق أبواب مزارعهم والانضمام إلى أفواج المهاجرين لعلّهم يجدون عملاً ينفعهم في بلد من بلدان الخليج، ويرسلون الحوالات لمن بقي خلفهم من عائلاتهم لتعتاش الدولة من الضرائب على القيمة المضافة التي يتساوى فيها الغني مع الفقير.
موضوع الميزة التفاضلية بالغ الأهمية. فما هي مثلاً الميزة التفاضلية للبلدان الأوروبية التي نستورد منها جزءاً كبيراً من غذائنا؟ تقتصر تلك الميزة على الدعم المادي المباشر الذي تقدمه الدول إلى مزارعيها الذين ينتجون كميات هائلة من الأغذية ويغرقون بها الأسواق مدمرين بذلك المنظومات الزراعية في البلدان الفقيرة.
وفي السنة الفائتة، ولأسباب عدة، خفّض الاتحاد الأوروبي وغيره من البلدان الشمالية دعمهم للزراعة، فارتفعت أسعار السلع في العالم، وشهدنا ما نشهده من احتجاجات وتظاهرات.
وقام بعض البلدان الفقيرة التي ما زالت تحافظ على الحد الأدنى من إنتاجية قطاعها الزراعي بدعمه لعلّها تستطيع تحقيق بعض المكاسب التنموية وتطعم مواطنيها.
أما البلدان التي عملت على إعدام قطاعها الزراعي وأفرغت أريافها وتركتها تحت الاحتلال، فهي اليوم تبحث عن مخرج لهذا المأزق قبل أن يلتهمها الجياع.