أنطون الخوري حربليس هناك وجوه شبه يُعتدّ بها بين أزمات سادت علاقة البطريركية المارونية عبر التاريخ ببعض الساسة الموارنة، والأزمة الحالية المزمنة بين البطريرك نصر الله صفير وممثلي الأكثرية المسيحية في المعارضة، ذلك أن انسحاب التباعد بين القادة السياسيين والدينيين على القواعد الشعبية، سببه الأساسي توالي المحطات المضطربة بين المرجعية الروحية والشارع منذ بداية ولاية البطريرك الماروني الحالي، إضافة الى أن هذا الاضطراب يحصل في خضم مرحلة هي الأدق منذ استقلال 1943، وفي أوج الخوف من انحلال الدولة.
لذلك فإن الاحتكام المطلق إلى مرجعية الموارنة الدينية، لم يعد يفي بالمتطلبات الاستثنائية التي توجبها خطورة المرحلة. وتفادياً لتعميق الشرخ بين الزمنيين والدينيين، كما لمنع تحول القضية إلى عداء مستحكم بين الطرفين، أقلت إحدى طائرات «الميدل إيست» الساعة الثامنة من صباح الأربعاء 16 كانون الثاني من مطار بيروت، بعد اجتماع في صالون الشرف، أسقفاً مارونياً بيروتياً ونائباً لبنانياً مسيحياً معارضاً وطبيب قلب معروفاً، إلى العاصمة الفرنسية، ومن هناك إلى روما لزيارة الفاتيكان، في مهمة تطوعية لمناقشة الأزمة السياسية المسيحية مع المعنيين في وزارة خارجية الصرح البابوي. وفي خلاصة النقاش أن المسؤولين الفاتيكانيين أبدوا تفهماً لشروح الوفد اللبناني استناداً إلى معرفة سابقة بالأجواء اللبنانية السياسية، والمسيحية منها خاصة، بسبب تركيز السفير البابوي في لبنان لويجي غاتي على التواصل الأمين والموضوعي مع السلطة البابوية، كما شارك هؤلاء المسؤولون الوفد اللبناني قسماً مهماً من آرائه الهادفة إلى تهدئة الجو المسيحي بعد التململ والتصدع الأخيرين، ولا سيما بعد بروز ملامح انشقاق غير معلن لأكثر من «رعية مارونية» عن البطريرك صفير ابتداءً من زغرتا.
وطلب الفاتيكان من الوفد اللبناني العمل على وقف الانتقادات الإعلامية لصفير وإبدالها بعريضة توقّع عليها الشخصيات المارونية، وتتضمّن موقفها من البطريرك وترفع إلى السفارة البابوية في لبنان. وترددت أنباء عن نية بإرسال بعثة بابوية إلى لبنان أوائل شباط المقبل لتكون مهمتها بمثابة «تقصي حقائق» عن الوضعين العامين اللبناني والمسيحي، من أجل تأمين المعطيات لقرار قد يصدره البابا بنديكتوس السادس عشر في إطار المساعي لحل الأزمة. كما طلب الفاتيكان من الوفد تهدئة الوضع المسيحي حتى قدوم البعثة البابوية إلى لبنان.
وبعد الفاتيكان توجه الوفد إلى بروكسل واجتمع للغاية نفسها مع كبار المسؤولين الدينيين البلجيكيين قبل أن يعود في اليوم التالي لبنان ويضع المرجعيات التي يمثلها في جو نتائج اجتماعاته.
ومن المعلوم أن زيارة هذا الوفد إلى الفاتيكان سبقتها زيارتان للنائب المسيحي المعارض في الوفد بمسعى من كاهن مريمي تربطه بوزير خارجية الفاتيكان علاقة متينة. فهل أصبح الخلاف المسيحي السياسي البطريركي خارج الضوابط ليحتاج إلى الاحتكام للفاتيكان؟