مرج الزهور ــ عساف أبو رحال
عند الطريق الدولي بين المصنع ومرجعيون، وعلى مسافة قريبة من النصب التذكاري للشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، تقوم مرج الزهور، بلدة القصور الفخمة الخالية من سكانها، وبوابة الجنوب من البقاع. توحي للعابرين أن ثمة حياة من نوع آخر تسود هذا المكان، لكن واقع الأمر مختلف كلياً: قصور أنجز بناؤها، هي اليوم بحاجة إلى من يبعث فيها الروح، بدلاً من نسمات تحرك غصناً أمام دار، أو تتسلل عبر فتحات قرميد، لتحاكي أصوات عصافير الدوري في هذه الناحية أو تلك. ويعزو الأهالي هذه الحالة إلى الهجرة الكثيفة التي لم تستثن منزلاً أو عائلة، لعدم الاستقرار وغياب فرص العمل.
استضافت البلدة في مطلع التسعينيات 425 فلسطينياً أبعدهم الاحتلال لمدة سنة، بعدما نقلتهم حافلات إلى معبر زمريا سابقاً، ومنه توجهوا سيراً إلى مرج الزهور شمالاً، ثم تراجعوا جنوباً بضعة كيلومترات وأقاموا مخيماً استمر سنة كاملة، وارتبط اسمه بالبلدة لقربه منها.
ويقول عضو المجلس البلدي عبد الرحمن الحاج: «إن عدد المقيمين لا يتجاوز 700 نسمة شتاءً، ويرتفع العدد في فصل الصيف إلى الألف. وهذه الحالة سببها الهجرة الكثيفة التي طالت كل العائلات، واختطفت العنصر الشبابي من البلدة. ويعود السبب في ذلك إلى حال عدم الاستقرار وانعدام فرص العمل. كانت البلدة في السابق تقتصر على مساحة ضيقة قريبة من الطريق الدولي، ومع بروز المال الاغترابي اتسعت دائرتها العمرانية وتحولت غالبية منازلها إلى قصور فخمة هي للأسف الشديد خالية من أصحابها. الطابع الاغترابي قضى على كل القطاعات، وخصوصاً القطاع الوظيفي، إذ إن هناك خمسة أو ستة موظفين فقط، فيما يعتمد الباقون في عيشهم على أموال اغترابية، وتبقى الزراعة وسيلة تسلية إضافية. أما مربو المواشي فتناقص عددهم ليصل إلى ثلاثة، بعدما كان جميع الأهالي فلاحين ومزارعين. وهذه الهجمة المتزايدة على الهجرة، بدءاً من سن الرابعة عشرة، قضت على القطاع التربوي وحدت من المستوى التعليمي».
وأوضح عبد اللطيف عبد اللطيف (30 عاماً) المولود في أوستراليا أن نحو مئة عائلة من البلدة تقيم وتعمل هناك، يزيد تعدادها على 600 نسمة، منها الرعيل القديم الذي هاجر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وما زال متمسكاً بجذوره، محافظاً على التقاليد والعادات العربية الأصيلة، ويحب العودة والاستقرار في بلده، لكن سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية والأمنية يحول دون ذلك. أما الجيل الجديد فيفضل العمل والاستقرار خارج لبنان، حيث ينال كل مواطن حقه بعيداً عن الوساطات والمحسوبيات.
ويشير عبد المجيد حسين إلى أن قرية مرج الزهور تتبع الجنوب إدارياً فقط، فالمياه والكهرباء من البقاع، وكذلك الهاتف، وهي البلدة الجنوبية الوحيدة ذات الترميز 08 هاتفياً. وعن الجالية الإغترابية، قال: «أوسع حركة عودة للمغتربين تشهدها البلدة مع حلول الانتخابات البلدية، حيث تؤدي الحساسيات العائلية دوراً كبيراً يدفع في البعض إلى تمويل عودة المئات من بلاد الاغتراب دعماً لهذه اللائحة أو تلك. أما أغلب المقيمين فمن كبار السن، الأمر الذي مثّل حاجزاً أمام تسلل الأحزاب والتيارات السياسية إلى البلدة، فبقيت بمنأى عن التجاذبات السياسية لمصلحة العائلات».
تتبع قرية مرج الزهور قضاء حاصبيا، يبلغ تعداد سكانها نحو 2000 نسمة، تنتج سنوياً نحو 5000 صفيحة زيت زيتون. وفيها مدرسة رسمية متوسطة تضم نحو 60 تلميذاً، ومجلس بلدي مؤلف من تسعة أعضاء.