حسن عليق
بدأت التحقيقات في أحداث طريق صيدا القديمة، وسط مخاوف من أن يكون مصير التحقيق كسوابقه من حوادث القتل في الضاحية. وحتى أمس، لم يكن أحد من المشتبه في إطلاقهم النار على المواطنين قد أوقف

أهل الضاحية يشيّعون قتلاهم. ليس الخبر جديداً، فقد اعتادت هذه المنطقة أعمال قتل بالجملة، وقََتلة «مجهولين». لكن الخطورة تكمن في أن تعتاد السلطات التعامل مع هذه الأحياء على أن قاتلي أبنائها «مجهولون فروا إلى جهة مجهولة». فقبل أكثر من 14 عاماً، وبالتحديد يوم 13 أيلول 1993، خرجت تظاهرة من الضاحية للتنديد باتفاق أوسلو. وبوصول المتظاهرين إلى أسفل جسر المطار، أُطلقت نيران غزيرة باتجاههم. ونقلت شاشات التلفزة في ذلك الحين صوراً لأشخاص يرتدون بزة الجيش اللبناني يُطلقون النار عن قرب على عدد من المواطنين. سقط 9 شهداء، وأصيب العشرات بجراح. وحتى اليوم لم يكشف التحقيق عما جرى. بعد هذه المقتلة بـ11 عاماً، خرج شبان من أحد أشد المناطق فقراً في لبنان، حيّ السلم، في تظاهرة احتجاجية على عدم خفض أسعار المحروقات. تدخّلت قوة من الجيش اللبناني. أطلقت النيران وسقط خمسة شهداء، وأصيب العشرات بجروح، أكثرهم من المدنيين. سيق عدد من المواطنين إلى التحقيق، وحوكم عدد منهم بجرائم الاعتداء على القوى الأمنية ومعاملة عناصر الأمن بالشدة. لكن لم يكشف القتلةَ أحد.
مشاهد طريق صيدا القديمة أول من أمس أعادت إلى الأذهان ما جرى خلال السنوات السابقة. قُتل ستة شبان برصاص «مجهولين»، وسط خوف المواطنين من تكرار تجارب الماضي، إن لناحية بقاء القاتل «مجهولاً» كما جرى في مجزرتي جسر المطار وحيّ السلم، أو لختم التحقيقات كما حصل في حادثة مقتل شاديا فتوح برصاص قوى الأمن يوم 28 أيار الماضي ومقتل ثلاثة مواطنين على حاجز للجيش على طريق المطار في اليوم التالي، أو للحكم على القاتل بالحبس 28 يوماً كما حصل مع رجل الأمن الذي قتل مهدي زعيتر يوم 16/4/2007.

التحقيقات: بحث عن مجهولين

قيادة الجيش أكّدت في بيان أصدرته أمس أن «التحقيقات جارية بأقصى الجدية والسرعة لكشف ملابسات ما حصل وتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات المناسبة». وفي قصر العدل في بيروت، عُقد اجتماع في مكتب النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ضمّه ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقائد الشرطة العسكرية العميد الركن نبيل غفري، حيث جرى التباحث في سير التحقيقات. وقد فُتح تحقيقان بإشراف القضاء، واحد قضائي تتولاه الشرطة العسكرية، وآخر «داخلي ميداني» تتولاه مديرية المخابرات في الجيش. وكان المحققون أمس يستمعون لإفادات عدد من الموقوفين، تمهيداً لأن تتخذ السلطات القضائية قرارها بشأنهم. ولا بد من الإشارة إلى أن قوى الجيش التي كانت في منطقة مار مخايل ـــــ طريق صيدا القديمة تابعة لفوجي التدخل الرابع والخامس. وذكرت مصادر أمنية أن هذه القوى حلّت خلال الأسبوع الفائت بدل قوة سابقة، وعملت على تدشيم كل نقاطها على طول الطريق الممتدة من كنيسة مار مخايل حتى الطيونة.
من ناحية أخرى، كلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد أمس لجنة من الأطباء الشرعيين، كشفت على جثث الشهداء الستة، بإشراف وحضور مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي رهيف رمضان. ومن المنتظر أن يتسلّم القضاء العسكري اليوم تقارير اللجنة. وعلمت «الأخبار» أن الأطباء توصلوا إلى أن مسافة الإصابة بعيدة ولا يمكن تحديدها بدقة. كما تمكنوا من استئصال عدد من الأعيرة النارية من أجساد الشهداء، وسلّموها إلى القضاء العسكري. ونفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» وجود آثار لرصاص متفجر في أجساد الشهداء والجرحى، مؤكدة أن ما أدى للشك في الأمر هو أغلفة الأعيرة النارية، مثل تلك التي وجدت في أجساد شهداء الرمل العالي. وعلمت «الأخبار» أن من عاينوا الأعيرة يرجّحون أنها عائدة لبنادق من نوع أم 16. وكشف مصدر أمني أن جهازاً أمنياً رسمياً اشترى نهاية عام 2006 بنادق قناصة تطلق رصاصاً من عيار 7.62 ملم شبيهاً برصاص بندقية أم 16. ولا بد من الإشارة إلى أن معلومات توافرت لدى أحد الأجهزة الأمنية في تشرين الثاني الماضي أشارت إلى توزيع بنادق قناصة على عدد من الأشخاص في مناطق مشرفة على الضاحية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الإمكانات التقنية الموجودة لدى سلطات التحقيق اللبنانية لا تسمح بتحديد البندقية التي أطلق منها العيار الناري، وهي الوسائل الموجودة في عدد من الدول المتقدمة، حيث تُقارَن اللوالب الحلزونية الموجودة داخل البندقية بالآثار التي تخلّفها هذه اللوالب على العيار الناري المقذوف.
التحقيقات في بدايتها، وكذلك الحداد. والناس ينتظرون كشف الحقيقة، على أمل ألا يكون مصير القتلة مماثلاً لما جرى مع عناصر قوى الأمن المدّعى عليهم بجرم «التسبّب بوفاة» طفلَيْ الرمل العالي.



رصاصات الغدر طالت مسعفين

أصابت رصاصات مسعفين اثنين كانا يؤدّيان واجبهما في إسعاف المصابين. فخُرقت بذلك القوانين المحلية والمعايير الانسانية التي تحمي وتعطي الحصانة لهيئات الإسعاف، لتستقر في جسدي مصطفى أمهز (الهيئة الصحية الاسلامية) وجهاد منذر (الإسعاف الشعبي). استشهد الأول فيما إصابة الثاني خطرة.