149; الجيش: التحقيقات جارية بجدية وسرعة لكشف الملابسات واتخاذ الاجراءات
27 كانون الثاني انتهى إلى بداية مفزعة طبعت يوم الهدوء الحذر الذي أعقبه بأسئلة كبيرة: هل هو الهدوء الذي يلي العاصفة أم الذي يسبقها؟ هل يكون هذا التاريخ كما سبقه من أيام الشهر نفسه من العام الماضي أم هو 13 نيسان جديد؟


فيما كانت الضاحية توزع ضحاياها على مناطق الولادة، فردياً، خشية أن يؤدي التشييع الجماعي إلى تأجج المشاعر وحصول ردود فعل غاضبة، وتتسارع الاتصالات لضبط الوضع، كان بعض المواقف يتعامل مع ما حدث على أنه «أعمال شغب».
رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ألغى كل مواعيده ليومين لمتابعة ما جرى، التقى قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي قدم التعازي باسم قيادة الجيش، بشهداء الأحد، وجرى الاتفاق على «إجراء تحقيق جدي وفعال وسريع لكشف كل الملابسات التي حصلت». كما التقى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وتلقى اتصالات تعزية من عدد من الشخصيات اللبنانية والدبلوماسية، إضافة إلى اتصال بشأن اجتماع وزراء الخارجية العرب، من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي اتصل أيضاً برئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
ولاحقاً أصدرت قيادة الجيش بياناً رأت فيه أن ما حدث «استهداف للجيش وللمواطنين، على حد سواء، ولا يخدم إلا أعداء الوطن وفي طليعتهم العدو الإسرائيلي الذي لم يميّز في قصفه الوحشي بين مراكز الجيش وثكنه وأحياء الضاحية الجنوبية خلال عدوان تموز 2006». وأثنت «على مواقف القادة المسؤولين إزاء تعاونهم من أجل ضبط الأمور ومنع انزلاق الأحداث إلى مستويات أكثر خطورة»، مؤكدة «أن التحقيقات جارية بأقصى الجدية والسرعة لكشف ملابسات ما حصل وتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات المناسبة».
كذلك تابع السنيورة التطورات، والتقى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وشدد على «ضرورة العمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها، وفي الوقت ذاته التنبه إلى ما يدبّر للبنان في هذه المرحلة، والابتعاد عن التشنج والتوتر، لأن هذا يخدم أهداف المخططين للخراب والفتنة». وناشد الجميع «عدم تعريض الجيش والمؤسسات الأمنية للضغوط السياسية في هذه المرحلة لكي تستطيع القيام بدورها براحة وفاعلية».

مطالبات عارمة بالتحقيق الفوريودعت حركة «أمل» قيادة الجيش إلى «تحمّل مسؤولياتها في الكشف السريع عمن قام بهذا العمل غير المبرر، إن كان من داخل القوى العسكرية أو من خارجها، وخصوصاً مع وجود أسئلة كثيرة عن دخول أطراف أخرى على خط تصعيد الموقف من خلال بعض الشخصيات والمحطات التلفزيونية المتخصصة بالتحريض والاستغلال السياسي، وأيضاً مشاركة بعض الجهات المعروفة في إطلاق النار».
وقال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان: «على عناصر الجيش الالتزام بأوامر قيادتهم، وألا يتحمسوا ويكونوا فوضويين»، ملمحاً إلى إمكان وجود «عناصر مدسوسة». واستغرب العلامة السيد محمد حسين فضل الله «الكيفية التي أديرت بها الأمور، وهذا الاستسهال في إطلاق الرصاص على الناس أو في معاملتهم بطريقة عنيفة لم نشهدها في مواقع أخرى، فضلاً عن الحديث الذي يثار بشأن انطلاق الرصاص القاتل من ساحات معينة».
ومع إجماعهم على المطالبة بالتحقيق العاجل، رأى النائب إسماعيل سكرية أن ما جرى «أخطر من خطير بمعانيه وأبعاده، مهما كان مصدر إطلاق النار». ورأى النائب علي عسيران في ما حصل «أجواء عام 1975، وكأن التاريخ يعيد نفسه». ودعا النائب مروان فارس الحكومة إلى الاستقالة فوراً. فيما حذر النائب إلياس سكاف من أن لبنان «ساحة مفتوحة مباحة لتجاذبات الخارج».
وشدد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على إجراء تحقيق جدي وفوري لمعرفة الفاعلين. وأجمع رئيس «جبهة العمل الإسلامي» فتحي يكن ورئيس حركة الشعب والحزب الديموقراطي اللبناني، على وضع ما حصل في إطار الخطة الأميركية لإحداث فوضى وفتنة. ودعا النائب السابق فيصل الداوود ومنبر الوحدة الوطنية إلى إجراء تحقيق سريع ودقيق.

جعجع يربط بين أحداث الأحد واغتيال عيد!

في المقابل، ومع أمله «ألا تكمل الفتنة طريقها»، قال البطريرك الماروني نصر الله صفير «إن المشاكل لا تحل في الشارع، بل داخل المؤسسات الدستورية»، داعياً للإسراع إلى انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة وحدة وطنية، «ومن بعدها الاحتكام إلى الشعب من خلال الانتخابات النيابية المقبلة».
ورأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، أن ما حصل «هو نتيجة الخروج إلى الشارع الذي يهدد به البعض كل يوم، وعدم العودة إلى المؤسسات الدستورية وممارسة العمل السياسي من خلالها». ورأى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، نعيم حسن، أن هذه الأحداث «أثبتت أن الشارع لا يحل المشكلة».
وقال الرئيس أمين الجميّل إن «ما جرى في الضاحية وأطراف عين الرمانة، يعود إلى نتائج الشحن السياسي والمواقف المتشنجة التي تجاوزت مقتضيات ما يحتاج إليه الوطن من أمن واستقرار، ما سمح لكل أنواع الطوابير الخامسة والمخابرات بأن تنفذ مخططاتها».
كذلك رأى النائب سعد الحريري، أن أحداث الضاحية «تكشف مجدداً عن عدم جدوى الاستخدام العشوائي للشارع وزج المواطنين في أتون تحركات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من تأجيج النفوس، وإلى مواجهات يشعر اللبنانيون جميعاً بمدى فداحتها في هذا اليوم».
وحمّل الوزير ميشال فرعون، المعارضة «تبعة أحداث الشغب المتنقلة»، مشيراً إلى أن ما جرى «حلقة من حلقات زعزعة الاستقرار وتفكيك عرى الدولة». واتهمت الوزيرة نائلة معوض المحتجين بأنهم كانوا «مجموعات مسلحة دون أي مشاركة نسائية أو لفئات من العمر تعوّدنا رؤيتها في التحركات المطلبية».
ورأى جعجع أنه «لو تأخر الجيش في التدخل لبضع دقائق في بعض المناطق لكان وصل الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، وبالتالي الجيش لم يكن باستطاعته إلا القيام بما قام به. وسأل: «هل هناك من علاقة بين أحداث الأمس واغتيال النقيب وسام عيد واللواء فرانسوا الحاج؟ أوليس لدينا حق بربطها في ما بينها؟ وكل هذه الأحداث لها مدير واحد بغية الوصول إلى هدف واحد معين؟». ونفى وجود قناصين قواتيين في المنطقة.
وفي المواقف العربية والدولية، أدان مجلس الوزراء السعودي «أعمال الشغب والعنف التي شهدها لبنان»، وحذر من جر لبنان إلى الاقتتال الذي «لن يصب إلا في مصلحة أعداء لبنان والأمة العربية والإسلامية». وحث اللبنانيين «وجميع الدول التي يهمها استقرار لبنان وأمنه على الالتزام بالمبادرة العربية، وبذل الجهود لتنفيذها بدءاً بانتخاب رئيس جديد».
وأسف وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي «لتصاعد حدة التوتر الذي أوقع المزيد من الخسائر البشرية»، ودعوا «إلى تطبيق خطة الجامعة العربية بلا إبطاء»، مكررين دعمهم «لسيادة واستقلال لبنان» ولـ«الحكومة الشرعية» «وللقوات المسلحة اللبنانية ومساهمتها في استقرار لبنان».
ووصف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الوضع في لبنان بـ«الخطير جداً»، واتهم سوريا بالقيام «بدور المعرقل»، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى موقف موحّد منها. كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فريدريك دوزانيو، أن بلاده تتابع ما حدث «بقلق بالغ»، وتأمل «أن تُكشف الحقيقة كاملة بشأن الملابسات المحددة لهذه الحوادث»، داعياً «إلى ضبط النفس والتحلي بالمسؤولية».

كرامي يشدّد على المشاركة «وإلاّ عبثا»

كذلك رأى السفير الإيراني محمد رضا شيباني، بعد لقائه الرئيس عمر كرامي أمس، أن أحداث الضاحية «مقلقة ومؤلمة، وكان هناك تأكيد مشترك بيننا على ضرورة كشف لغز هذه القضية وكل مرتكبيها». فيما حذر كرامي من أن «إطلاق الرصاص على الناس بهذا الشكل ووقوع هذا العدد من الضحايا البريئة لا يمكن أن يمر بكل بساطة من دون تحقيق جدّي وإظهار الفاعلين ومعاقبتهم. واذا لم يتم ذلك، فالنتيجة ستكون بالفعل مؤسفة، لأن الأمور ستتمادى أكثر». واستنتج مما سمعه من المؤتمر الصحافي لموسى «أنه سيعود إلى الدوامة نفسها ولن يصل إلى نتيجة»، مؤكداً أن المعارضة لن تشارك في الحكم إلا بطريقة «حقيقية وفعلية»، «وإلا فعبثاً يفعلون ويقولون».
وفي الشأن السياسي، حمّل النائب وليد جنبلاط الموجود في موسكو، سوريا «مسؤولية الخلافات» بشأن تأليف الحكومة المقبلة، وأوضح «أن الحديث لا يدور حول تغيير نظام الحكم في سوريا، بل حول قدرة الغرب وروسيا على إقناع القيادة السورية بالكف عن التدخل في الشؤون اللبنانية والتركيز على مشاكلها».
لكن النائب شامل موزايا رأى أن الوزراء العرب أخذوا في اجتماعهم الأخير «قرارات منحازة، وبكل أسف، إذا استمر الأمر على هذا النحو نبلغهم منذ الآن أنه لن ينتج شيء من هذه القرارات، ولا سيما إذا لم يلعبوا دور الحكم في الأزمة اللبنانية». وشدد مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي على أن «أي محاولة لتكريس مبدأ أن المعارضة تقبل بعشرة وزراء ثم يجري في ما بعد التفتيش عن تسوية أخرى هو حل ساقط سلفاً، لأن المثالثة هي الحل الوسط الذي قبلت به المعارضة، وأي حل يبحث عنه خارج هذا الحل يعيد الأمور إلى نقطة البداية، أي تمسّك المعارضة بالمشاركة عبر الثلث الضامن».