strong>أنطون الخوري حرب
• أخطار تحيق بصورة الجيش كحامٍ أخير للحريات والقوانين في لبنان

لن تطوى بسهولة صفحة ما حصل في الضاحية الجنوبية يوم الأحد الأسود، بل ستضاف إلى ما سبقها من أيام سوداء مرت على المواطنين وكان فيها للتقصير الأمني دور بارز، وسيكون من الضروري كل مرة طرح السؤال نفسه: من المسؤول؟ ولماذا تقصّر أجهزة يمولّها الشعب؟

أثارت صدامات الشياح الدامية مسألة انتشار السلاح الحربي بين الشبان، والتي بدأت تتخذ بعداً تنظيمياً «هادفاً» خلال عامي 2006 و2007. وفي نقاش بشأن هذا الموضوع مع شخصيات عسكرية متقاعدة وممارسة، بينها مدير سابق لمخابرات الجيش، تظهر تفسيرات خطيرة ومختلفة عن الشروح التي يعطيها أي طرف سياسي متهم بالتسلّح. وفي خلاصة النقاط التي أجمع عليها المعنيون يندرج الآتي:
1ــــ من السذاجة تفسير انتشار السلاح الفردي على قاعدة «التقاليد اللبنانية التاريخية»، لأن تلك التقاليد السيّئة تقوم على المبادرات الفردية، حيث يشتري المواطن مسدساً من تاجر سلاح معين، ويصعب الأمر قليلاً حين يتعلق الطلب ببندقية حربية، لكنه لا يكون مستحيلاً. كما أن هذه الموجات التسلّحية لم تحصل في إطار التجمعات الحزبية، بل لدى القواعد التقليدية، وغالباً في المناطق الجبلية. لكن ما يحصل منذ سنتين هو عملية توزيع بنادق حربية منظمة لدى مختلف الأحزاب السياسية، ومدوّنة في جداول توزيع على مجموعات في مختلف مناطق انتشارها السياسي.
كذلك فإن تلك المجموعات اكتسبت خبرة استعمال السلاح خلال الدورات التدريبية التي خضعت لها في أكثر من مخيم مخصص لهذه الغاية وفي أكثر من منطقة، وبالتالي باتت عناصر تلك المجموعات تعيش أجواء تحريضية وتخويفية تتخذ من الاحتقان السياسي العام مادة تأجّجها، فيما يرافق هؤلاء الانشداد الدائم إلى الأسلحة المسجّلة على أسمائهم بدل تخزينها في أماكن مركزية، والموزعة على كل منهم في منزله أو سيارته، فلا تعود خاضعة للضوابط. لذلك تصبح وجهة استعمال تلك الأسلحة خاضعة للانفعالات التي تؤججها الحملات الإعلامية.
2ــــ إن الخط البياني لمؤهلات المؤسسات الأمنية اللبنانية أثبت، بعد خروج الجيش السوري عام 2005، ضعف قدرتها على الإحاطة الأمنية بالميادين اللبنانية بسبب السياق العام لعمليات التفجير والاغتيال من دون كشف أي خيط لجريمة واحدة، وذلك نظراً إلى مبدأ الفصل السياسي غير المعلن بين هذه المؤسسات أولاً، ومن ثم التركيز على حصر نطاق عمل استخبارات الجيش بالشأن العسكري للمؤسسة العسكرية تطبيقاً لاتفاق الطائف، بالتلازم مع تحويل فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى شعبة ضخمة مكلّفة بحفظ الأمن، دون أن تتمكن من تدارك أي صدام دموي أو كشف أي استهداف أمني قبل وقوعه أو بعده، فضلاً عن جعل مهمات جهازَي أمن الدولة والأمن العام مكملة لمهمات فرع المعلومات في تصدر أولوية الاهتمام بين الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية. هذه الأمور مجتمعة أحدثت تدنياً فاضحاً في مستوى حفظ الأمن.
3ــــ إن تسليم المسؤولين الأمنيين بنظرية كون الأمن في لبنان أمناً سياسياً يترجم استسلام هؤلاء أمام مسؤولياتهم وينزع الصفة الاحترافية عن عمل الأجهزة، لأن ذلك يعني أن لا حاجة إلى الأمن في ظل الوفاق السياسي ولا جدوى منه في ظل الانقسام. وإذا كان هناك أطراف سياسيون يتدخلون في عمل الأجهزة، فلماذا لا يفضح أمرهم ويلاحقون بحسب القوانين؟ لذلك فإن هذا المبرر ليس مقنعاً ولا يمكنه أن يغطي المسؤولية الرسمية عند وجود تقصير أو إهمال أو قلة كفاءة.
4ــــ إن قيادة الجيش والمخابرات على علم تام بدفعات الأسلحة التي وزعت، وهي تقدّر بآلاف البنادق الحربية، كما تعرف كل معسكرات التدريب التي يعلم بها فرع المعلومات أيضاً. وتعلم الأجهزة بالتحضيرات الأمنية التي قامت بها الفئات السياسية، ولهذا الأمر سابقة خطيرة بين 1969 و1975 حين كان الجيش يعرف بعمليات التسلّح للأحزاب المسيحية في تلك الفترة، وغيرها من التنظيمات، والتي كانت نتيجتها اندلاع أعمال القتل التي مثّلت باكورة الحرب الأهلية اللبنانية وأدت إلى سقوط دور الجيش وانقسامه.
وليس صحيحاً ما تقوله المراجع الأمنية من أن الأسلحة الفردية لا تؤدي إلى الحروب، فهذه الأسلحة تؤجج الفتن الممهدة للحروب، واندلاع الفتن لا يحتاج إلى أسلحة ثقيلة.
5ــــ إن الجيش مطالب بملاحقة قضية الشياح وكشف المتورطين فيها، لكي يصار إلى معاقبتهم بما تقضي القوانين، ولا خيار له في ذلك بعدما أدى انسحابه من الشارع في تلك المنطقة إلى انتشار القناصة على سطوح المباني في عين الرمانة وسقوط قتلى في صفوف المحتجين على قطع الكهرباء، وتفاقم الوضع إلى أزمة كبيرة لا يمكن أن تعالج إلا بالعقاب العادل، وإلا عكس دور الجيش دور قوى الأمن الداخلي في الفشل الأمني مبتعداً عن صورته كضامن أخير للأمن والسلم الأهلي، مما يفتح الباب أمام التشكيك في قدراته.
هكذا، يبدو أن أزمة الشياح الدموية وضعت الجيش أمام امتحان تثبيت قدرته على تحقيق الاستقرار لكل المواطنين وحماية حقوقهم، فهل تنجح قيادته في جعل هذه الأزمة محطة فاصلة لمنع انهيار الدولة، أم يتحول الكلام عليه إلى ما يشبه الكلام عن هشاشة فرع المعلومات في الحفاظ على الأمن الداخلي؟

نجاح أمني


يرى الاختصاصيون أن من واجب الجيش السير بقضية التحقيق في حوادث مار مخايل حتى النهاية، ولا سيما في ظل ترشّح قائده لرئاسة الجمهورية، لكون ذلك يبشر الناس بالاستقرار الأمني المطلوب في عهده. ويستشهد مدير مخابرات سابق بكلام زميله جوني عبدو الذي رأى «أن أي معركة يشنّها الجيش على عصابة مسلّحة ولا يحسمها خلال ثلاثة أيام على أبعد حد هي معركة خاسرة للجيش، حتى لو تمكن من حسمها لاحقاً»، فكيف بمعركة هي الأطول في تاريخ الجيش والأكثف بشهدائه، والتي انتهت بفرار زعيم العصابة والعديد من عناصرها في نهاية القتال؟ ثم تلت هذه الواقعة جريمة اغتيال مدير عمليات الجيش الذي لم تتمكن القيادة من حمايته.