شيّعت الضاحية الجنوبية جثمان الشهيد يوسف شقير ابن الثامنة عشر عاماً الذي سقط على تقاطع كنيسة مار مخايل يوم الأحد الماضي بالرصاص من مسافة قريبة.عاد يوسف، بهذه العبارة هتف شبان حي المقاومة والتحرير في حارة حريك، ما إن أطلّت سيارة الإسعاف التي تقل جثمان الشهيد يوسف. لم يصدق والدا يوسف أن النعش الداخل إلى صالة المنزل يضم ذاك الشاب المتحمس، الذي ما زال صوته يملأ المكان. «رايح اتغدى مع الشباب»، كانت هذه جملة يوسف الأخيرة قبل خروجه بعد ظهر الأحد، لكن رصاصاً غادراً من مسافة متر واحد اخترق القلب، يعيد ملابس يوسف المدماة إلى غرفته لتشهد على وجه مطلق النار.
بعد الصلاة على الجثمان في مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، سار جمع العائلة والرفاق والجيران ومعهم يوسف تحت المطر باتجاه منزل عريسهم الجديد في جبانة روضة الشهيدين في منطقة الغبيري. وفي قاعة الروضة، حضر الجميع، من بينهم ممثلون عن حزب الله وحركة أمل والمرجعيات الدينية للوداع وتطييب خاطر العائلة المكسور، ليوارى بعدها الشهيد المظلوم في روضة الشهيدين.
وفي الجنوب، يقول والد محمود منصور «إن الذين غيبوا محمود هم السلطة، مشيراً إلى أن محمود كان يقوم بتفريق الناس، ويفتح الطرقات، فأصيب برصاصة، متسائلاً عن أسباب استهداف ولده بالرصاص».
ووسط أجواء من الحزن والغضب، أكدت عائلة الشهيد أحمد حمزة، أنها لن تتخلى عن حق ولدها مهما حصل، وطالبت قيادة الجيش بنتائج فعلية وحقيقية للتحقيق كي لا يذهب دم ابنها هدراً، وخاصة أنه كان يعمل على التنسيق بين مخابرات الجيش والمحتجين لضبط إيقاع الاعتصام في مار مخايل. والد أحمد الذي لم يصدق حتى اللحظة أنه فقد عزيزه، سرعان ما تتخلى دموعه عن الخجل من عدسة الكاميرا، وتغرورق عيناه عندما تسأله عن مصابه. فأحمد كان آخر العنقود ورفيق أيام المرض الذي أصاب قلبه منذ مدة ومؤنس وحشته.
إخوة الشهيد وإن بدوا أكثر صلابة بطبيعة الحال، إلا أن حزنهم الكبير على رحيل شقيقهم بهذه الطريقة أفجع قلبهم وفجّر على ألسنتهم مواقف حاسمة تجاه قضيتهم، حيث وجهوا رسائل ذات دلالة تحذر من طي الملف كسابقاته أو الاستهتار بدم من سقطوا من أجل معيشة كريمة.
أما في الغرفة الأخرى من المنزل فتجلس النساء منتحبات، منهن من أسعفتهن الدمعة فانفلتت من عقالها، وأخريات حبستهن الحسرة داخل القلب لتنزف حزناً على شاب في مقتبل العمر، كنّ جميعاً ينتظرن انتهاء دراسته كي يطلبن له يد عروسه التي اختارها، وكان ينوي خطبتها قريباً، لكن رصاص الغدر سبقه. الشهيد أحمد شاب يصفه أصدقاؤه بالناشط المفعم بالحيوية، فهو إضافة إلى مهماته التنظيمية في حركة أمل كان يتحضر للدخول إلى الجامعة العام المقبل بعد إنهاء دراسته الثانوية، ولم يستسلم لمرض والده والوضع المعيشي الصعب، فكان يعمل في شركة المستقبل الأمنية التابعة لمؤسسات فؤاد مخزومي كي يكمل دراسته ويرفع العبء عن كاهل أهله.