باريس ـ بسّام الطيارة
كان توقيت إنذار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الثاني لسوريا مدار جدل بين المراقبين في العاصمة الفرنسية، مع اقتناع الجميع بأن الإنذارات في فم ساركوزي مثل «كلام الليل الذي يمحوه النهار». ولم تكذب هذه المقولة، إذ لم تمر ٤٨ ساعة على الإنذار حتى شاع خبر تلقّي وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أمس، اتصالين هاتفيين من الأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية كلود غيان، جرى خلالهما «البحث في سبل المساعدة الممكن تقديمها» لانتخاب رئيس للبنان، كما أفادت وكالة «سانا».
من هنا، يرى المراقبون ضرورة الخوض في تفاصيل المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده ساركوزي مع الرئيس المصري حسني مبارك، أول من أمس، في القاهرة، إذ أبرز ما تضمنته مداخلتا الرئيسين هو التناقض بين «التهديد الساركوزي» لسوريا و«مناشدة» مبارك لها لاستخدام نفوذها في لبنان. كما كان التناقض أيضاً داخل «الرسالة التواصلية» للطرفين الفرنسي والمصري.
فقد خاطب مبارك سوريا من باب الاعتراف بنفوذها، وطالبها بـ«التدخل» لتحقيق الاستحقاق الرئاسي و«العمل، بما لها من نفوذ، على تحقيق الوفاق» حتى يلتئم البرلمان. أما ساركوزي، فقد أقرّ بوجود مسار تفاوضي بين باريس ودمشق، إلا أنه اعترف في المقابل بأنه «لم يعد ممكناً الانتظار أكثر»، مشيراً إلى قطع هذا المسار، حين قال إنه لن يجري «هو ومعاونوه أي اتصال مع سوريا ما لم تقدم أدلة على رغبتها في انتخاب رئيس توافقي».
ويقول أحد الخبراء بالملف اللبناني إن الرئيسين يراوغان بشأن حقيقة هما في طليعة من يعرفها، وهي «أن لسوريا وزناً جيوسياسياً تاريخياً في لبنان»، وهما يريدان الاعتراف بها ولكن في سبيل استعمالها لاحقاً للضغط على دمشق، إذ إن «هذه الحقيقة» كانت من التبريرات التي واجه بها الفرنسيون الأكثرية والأميركيين حين بدأت زيارات المبعوثين المكوكية إلى دمشق، وقد حاولت الدبلوماسية الفرنسية البناء على هذه «الواقعية السياسية» وترجمة ما بات يعرف بـ«ورقة التفاهم السورية ـــــ الفرنسية»، رغم نفي العديد من المصادر وجود هذه الورقة، كما كان حال نفي وجود تفاهم بري ـــــ الحريري في حضور كوشنير.
إلا أن الاعتراف المصري يأتي، حسب قول الخبير، بعد سنتين من المطالبة بـ«الكف عن التدخل في الشؤون اللبنانية»، وهو يدل على تغيير في استراتيجية «التصدي لسوريا في لبنان»، ويحمل إشارات لتغييرات كبيرة مقبلة على المنطقة، إذ إن «الاعتراف بقوة نفوذ سوريا في لبنان» هو سلاح ذو حدّين، يمكن استعماله للمديح كما يمكن استعماله لتحميل سوريا تبعات عدم التوصل إلى اتفاق في المدى المتوسط القريب.
ويشير أحد المراقبين إلى ترابط «المواعيد الإعلامية» التي تنتظر الملف اللبناني. ففي السادس من هذا الشهر، يجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي يراد منه دراسة وقع «الإنذار والمناشدة» على السوريين، في ظل زيارة الرئيس جورج بوش إلى المنطقة. ويعقب القمة، من الجهة الفرنسية، «لقاء إعلامي لساركوزي»، في الثامن من الشهر الجاري، يتوقع بعض المقرّبين من الأخير أن «يبقّ خلاله البحصة»، قبل أن ينتقل في جولة عربية تقوده إلى الخليج، وخصوصاً إلى السعودية.
وتقول مصادر مطلعة إن ساركوزي «يدرك أن شيئاً ما يحضّر في المنطقة»، وهو يحمل في داخله طموحين، أحدهما «حاضرٌ دائماً في الدبلوماسية الفرنسية، وهو تجنيب لبنان الحرب والفوضى»، وثانيهما موجود لديه شخصياً، وهو عدم رغبته «بالخروج من اللعبة التي تدور في المنطقة». وهذا ما يفسر سياسة التصريحات الرنانة التي يراها البعض إنذاراً أخيراً، فيما يكون مسار التفاوض مع دمشق سالكاً، كما حصل لمرتين خلال أقل من أسبوعين. وفي هذا السياق، ترى هذه المصادر أن هناك «خطر كبير يتربّص بالمنطقة»، وأن الدبلوماسية الفرنسية تدرك هذا، ولا تريد أن تكون باريس منساقة لا دور لها في محاولة «تجنيب المنطقة، إذا أمكن، ولبنان في أحسن الأحوال» أتون ما يمكن أن ينفجر في أي لحظة.