ثائر غندور
عندما خرج وزير الخارجيّة الفرنسي برنار كوشنير من اللقاء ـــــ العشاء مع النائب ميشال عون ووفد التيار الوطني الحرّ مساء الثلاثاء تنفّس العونيّون الصعداء. فاللقاء كان على أفضل ما يكون، وضحكة الوزير الفرنسي وصلت إلى مسامع الحرس. وتبيّن للعونيين أن العلاقة مع الفرنسيين أصبحت علاقة شخصيّة قويّة، إذ قال كوشنير لعون عند خروجه: «أنت تشبه نفسك دائماً بشكل مدهش».
جاءت زيارة كوشنير بعدما أرسل إليه رئيس مجلس النوّاب نبيه بري إشارة عبر أحد المقرّبين منه تقول إن هناك حاجة لدورٍ ما في شأن التفاهم على رئاسة الحكومة والبرنامج السياسي للعهد الجديد، «وكوشنير مستعد دائماً للمجيء إلى لبنان عندما يُطلب منه ذلك ويجد أنه قادر على المساعدة» بحسب ما يقول المقرّب منه.
بداية، لم يعرف كوشنير حقيقة التأزّم الطارئ، على ما يقول المصدر، انطلاقاً من فهمه للنظام الفرنسي حيث «الرئيس هو من يختار رئيس الحكومة والفريق الحكومي». ولهذا بدا الامتعاض على وجهه ووجه برّي خلال اجتماعهما أول من أمس.
زار كوشنير عون، الذي استطاع أن يشرح له طبيعة النظام اللبناني ووضعه في صورة تنازلاته، وماذا سيقول عون لجمهوره بعد تخلّيه عن الترشح لرئاسة الجمهوريّة. ويشير المقرّب إلى حديثٍ يدور في الكواليس عن إمكان إخراج مذكّرة تفاهم بين التيّار الوطني الحرّ وتيّار المستقبل شبيهة بتلك التي أعلنت بين التيّار وحزب الله، تكون هي المخرج السياسي من الأزمة.
ويحدّد مسؤول العلاقات السياسيّة في التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل شروط الحلّ، بإعادة الاعتبار إلى المسيحيين في النظام السياسي اللبناني، مشيراً إلى أن التيّار لن يقبل إلّا بورقة سياسيّة توقّع عليها جميع الأطراف.
بدوره، يقول مصدر نيابي في التيّار إن كوشنير أبدى في نهاية اللقاء تفهماً لمواقف عون. واقتنع بضرورة حصول توافق سياسي قبل انتخاب الرئيس ليكون هذا هو برنامجه. ويقول المصدر إن مبادرة كوشنير سترتكز على إيجاد توافق حول مبادئ البرنامج السياسي، والقول بأن الالتزامات السياسيّة تجاوز للدستور هو «كلام لا يعرف الحدّ الأدنى من الفهم لعلم السياسة».
وأضاف أنه من المستغرب ألّا يكون هناك تفاهم سياسي، وإلّا فعلى أي أساس سيتم انتخاب رئيس؟ «إلّا إذا كانوا يرون أن الرئيس أصبح مجرد رمز مثل ملكة بريطانيا».
ويرى المصدر أن فريق الموالاة يعمل على تهريب الوقت قبل كلّ استحقاق ثم يأتي في اللحظات الأخيرة ليقول لنا: إمّا أن تمشوا بالحلّ أو أنتم تعرقلون وأنتم إيرانيون وسوريون.
بالنسبة للموالاة، يقول أحد المقرّبين من كوشنير، إن هناك سببين وراء عدم رغبة الأكثرية في اللقاء بالوزير الفرنسي: الأول يتعلّق بعدم رغبتها في بحث ملف الحكومة وبالتالي تهرّبها من الضغط الفرنسي، ومن هنا جاءت الشائعة التي رماها الوزير مروان حمادة حول أن زيارة كوشنير اجتماعية وغير سياسيّة، والسبب الثاني هو الامتعاض من الموقف الفرنسي المنفتح على سوريا واتصال الرئيس نيكولا ساركوزي بالرئيس السوري بشّار الأسد. ويقول المصدر إن موقف الفرنسيين تغيّر كثيراً في المرحلة الأخيرة «وهو نتاج جهد للمعارضة اللبنانية بُذل مع كوشنير وفريقه، كما أنه نتيجة التفويض الأميركي للفرنسيين، رغم أن هذا التفويض محدود».
ويقول مصدر آخر إن النائب الحريري لم يكن متحمّساً للقاء الذي جمعه أمس بالرئيس برّي والوزير كوشنير لأنه مقتنع بأنه لا يستطيع أن يُقدّم المزيد للمعارضة وخصوصاً لعون.
ويتقاطع كلام المقرّب من كوشنير مع حديث النائب في تيار المستقبل مصطفى علّوش عن الأزمة التي تمرّ بها المبادرة والدبلوماسيّة الفرنسيّة «لأن باريس لا يُمكن أن تتحرك وتضغط وتُقدّم شيئاً، خصوصاً للسوريين، إذا لم يكن هناك ضغط أميركي يساندها». مضيفاً أن البعض في 14 آذار «يشعر بأن هناك نوعاً من العبثيّة في التحرّك الفرنسي، رغم أننا نعترف بتغيّر الواقع السياسي في فرنسا. لكن هذا الاعتراض على السياسة الفرنسيّة غير معمّم في 14 آذار، والموقف الرسمي هو تأييد المبادرة والترحيب بها».
ويقول علّوش إن كوشنير سأل النائب الحريري عمّا يُمكن فعله لحلّ الأزمة، في إشارة إلى موضوع الحكومة، فأجابه الحريري أن فريق السلطة قدّم أقصى ما يُمكن أن يُقدّمه، ويجب أن تبقى الأمور الثانية للمرحلة المقبلة، أي بعد انتخاب الرئيس. لكنّ علّوش يقول إنه إذا أراد العماد سليمان أن يبحث هو في موضوع الحكومة كأساس لترشّحه «فنحن مستعدّون أن نبحثها معه لأن هذا حق لرئيس الجمهوريّة»، وهو ما يتناقض مع حديث بعض مسيحيي 14 آذار عن حصولهم على ضمانات من سليمان بعدم الخوض في هذا الأمر.