طارق ترشيشي
لم يستحضر رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون أخيراً معادلة بشارة الخوري ـ رياض الصلح عن عبث أو لمجرد التذكير، وإنما انطلق على ما يبدو من قراءة موضوعية لواقع الحال اللبناني مستندة إلى معطيات إقليمية ودولية معينة تظهر حاجة لبنان إلى مرحلة تأسيسية جديدة تكرّس نهائية الكيان اللبناني على قاعدة الاتفاق بين قواه الأساسية، بعيداً عن منطق الثنائية الذي قامت عليه صيغة 1943 والتي طوّرها اتفاق الطائف عام 1989 عبر الشراكة اللبنانية الجامعة في سلطة القرار.
فبعد جهد جهيد، أدرك وزير الخارجية الفرنسي أمس الأول كنه سرّ الأزمة القائمة بين فريقي الموالاة والمعارضة والتي تعيق إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، وفهم أن تشكيل الحكومة في لبنان ليس مناطاً حصراً بيد رئيس الجمهورية كما هي الحال في فرنسا، وإنما في يد التوافق بين رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، حيث درج التقليد بعد اتفاق الطائف على أن مراسيم تشكيل الحكومة لا تصدر عن رئيسي الجمهورية والحكومة إلاّ بعد إطلاع رئيس مجلس النواب عليها.
ولعلّ كوشنير سمع من عون على عشاء العمل في الرابية مساء أمس الأول شرحاً لما قصده بمعادلة بشارة الخوري ـ رياض الصلح التي قامت عام 1943 إثر الاستقلال اللبناني عن الانتداب الفرنسي، وهي معادلة لم يقصد عون باستحضارها العودة إلى الثنائية المارونية ـ السنية، وإنما للتأكيد على أن لبنان لا يُحكَم إلاّ بواسطة القوى السياسية والطوائفية الوازنة التي في إمكانها أن تضمن استمرارية الصيغة اللبنانية والتنوّع السياسي والديني الذي نتميّز به ويشكل غنى لها.
وتلفت أوساط مراقبة ومتابعة لمبادرة «المستقبل» إلى ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان في شكل منفرد وأحادي بعيداً عن علم ومشورة حلفائه في 14 آذار، وخصوصاً المسيحيين، لتطرح بعض الأسئلة التي بدأت تتوضّح من خلال المحادثات والمفاوضات التي يقودها رئيس الدبلوماسية الفرنسية وبعلم القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما منها السعودية وسوريا.
وتفيد هذه الأوساط أن السعودية أبلغت إلى المعنيّين أنّها لا تستطيع القبول باستبعاد رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري عن رئاسة الحكومة لأنّ ذلك سيؤسّس لغياب آل الحريري وصفتهم التمثيلية اللبنانية والسعودية على الساحة المحلية، وبالتالي خروج العامل السعودي من القرار اللبناني. وقد حاول الفرنسيون إقصاء عون عن رئاسة الجمهورية والاحتفاظ بالحريري رئيساً للحكومة، لكنّ ذلك اصطدم بعدم موافقة المعارضة التي تصرّ على أن تنازل عون عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية تسهيلاً للحل بوصول رئيس توافقي ومحايد، يجب أن يقابله تنازل من الموالاة يتمثّل بتنحّي الحريري عن رئاسة الوزراء والمجيء برئيس وزراء توافقي ومحايد لأن عنوان المرحلة هو أنها مرحلة انتقالية تنقل البلاد من حالة انعدام الوزن السياسي والأمني وغياب المؤسسات الدستورية إلى مرحلة بناء النظام وفق شراكة وطنية لا تشعر فيها أي قوة سياسية أو طائفية بالغبن أو التهميش. وفي هذا السياق، تسرّبت بعض المعلومات التي تفيد أن كوشنير يحمل معه «الخطة ـ ب» بديلاً عن «الخطة ـ أ» التي سبق ذكرها، وتقضي «الخطة ـ ب» هذه بأن تقبل الموالاة بعون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً للحكومة طالما أن الحريري والسعودية لن يتراجعا عن موقفهما.
ويروج أصحاب «الخطة ـ ب» أن الإيجابية في ذلك هي أن الموالاة والمعارضة تكونان قد باشرتا ببناء شراكة وطنية بالأصالة عن أنفسهما، وليس بالوكالة، حيث تتولى المناصب الرسمية شخصيات لها وزنها السياسي والجماهيري والطوائفي، يماثل التمثيل الشيعي في مجلس النواب ويمكن في هذه الحال بناء نظام ثلاثي الرؤوس يستطيع تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من دون حاجة إلى الاستعانة بقوى داخلية رديفة، بالإضافة إلى أن كلا الفريقين الموالاة والمعارضة وبموجب هذه الخطة لا يظهران مهزومين أمام قاعدتيهما الشعبيتين.
وقد كانت صورة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة أصدق برهان على أن السعودية لا تستطيع أن توغل عميقاً في معاداة الشيعية السياسية في لبنان، كما أن المنطق الأوروبي والأميركي قد استدرك أخيراً عدم القدرة على مقاطعة سوريا إذا كان يريد النفاذ أو النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعدما أبلغ التحالف الشيعي جميع المعنيين أنه ليس في موقع المقايضة أو الاتفاق على حساب حلفائه المسيحيين. ولهذا الغرض كان توصيف «حزب الله» بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أخيراً بأن نقطة الارتكاز في الحل هي العماد عون ليعود بعده رئيس مجلس النواب نبيه بري ليشدد على ضرورة اللقاء بين عون والحريري لحل عقدة الحكومة والهواجس. فهل ينجح كوشنير في تنفيذ «الخطة ـ أ» وينتخب رئيس جمهورية ورئيس وزراء توافقيين وحياديين؟ أم سيعود إلى «الخطة ـ ب» لتقاسم السلطة بين المعارضة والموالاة عبر عون والحريري؟