أنطوان سعد
إضافةً إلى الاعتبارات العديدة التي تدفع الدبلوماسية الفرنسية باتجاه بذل الجهود الحثيثة من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن، بعدما تعذّر إجراؤها ضمن المهلة الدستورية، ثمة اعتبار قد يكون نابعاً من شعور الإدارة الفرنسية الحالية، وبخاصة في دوائر وزارة الخارجية، بأنها مسؤولة، في شكل أو آخر، عن وصول الوضع في لبنان إلى الحائط المسدود. ومن دون التقليل من شأن الاعتبارات الأخرى، ومنها المتعلق بأهمية لبنان الجيوسياسية والدور الذي يؤدّيه على مستوى تلاقي الحضارات ومواجهة الأصوليات المهددة لأوروبا والعالم، وإلحاح الفاتيكان المتواصل من أجل مساعدة لبنان، وحنين فرنسا إلى دورها كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، فإن سيد الكي دورسيه، دون غيره من وزراء خارجية الدول المشاركة في القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، يبدو كأنه أخذ قضية الانتخابات الرئاسية على عاتقه.
يدرك برنار كوشنير دون شك مقدار الضغط الذي مارسه الرئيس السابق لبلاده جاك شيراك على البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير عندما حذّر المطارنة الموارنة في الحادي عشر من أيار 2005 من مغبة إجراء الانتخابات التشريعية في ظل قانون انتخاب مجحف في حق المسيحيين. في مساء اليوم الذي أطلق فيه البطريرك الماروني تحذيره الشهير «قد أعذَرَ من أنذَر»، زار بكركي السفير برنار إيميه ونقل إلى سيدها تحية الرئيس الفرنسي جاك شيراك ونقل عنه أنه اطّلع على بيان المطارنة الموارنة وطلب هاتفياً من سعد الدين الحريري أن يزور البطريرك وأن يتباحث معه في الوضع اللبناني الراهن. وشدد إيميه على أن تأجيل الانتخابات النيابية، ولو في ظل قانون لا يرضي جميع الناس، مضر ويفقد لبنان اهتمام الدول ومجلس الأمن به ووعد بأن الوضع سيتحسن ما دام الجيش السوري قد انسحب من لبنان، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الوضع لن يستقيم بين ليلة وضحاها. وأكد سفير فرنسا للبطريرك صفير أنه يتفهم وضع المسيحيين الذين يرون أنهم مهمشون.
وبعدما جدد سيد بكركي المطالبة بأن يعطى المسيحيون أربعة وستين نائباً بما أن اتفاق الطائف أعطاهم هذا العدد، زار إيميه بكركي في الثامنة والنصف من مساء الرابع عشر من أيار 2005، وحمل إلى سيدها كتاباً من الرئيس شيراك وتمنى عليه معالجة أمور الانتخابات التشريعية بالرويّة، مشدداً على وجوب إجرائها في مواعيدها لأن هناك أخطاراً تهدد لبنان في حال عدم إجرائها. وفي هذين الاجتماعين، أكد البطريرك صفير للدبلوماسية الفرنسية خطورة الدفع في اتجاه الانتخابات النيابية دون معالجة ما تنطوي عليها من ألغام بدأت بالانفجار تباعاً غداة العملية الانتخابية.
مصادر دبلوماسية فرنسية أكدت لـ«الأخبار» أن نيكولا ساركوزي وبرنار كوشنير يوليان الموضوع اللبناني اهتماماً كبيراً «اقتناعاً منهما بأن لبنان، كبلد متعدد الثقافات والطوائف، يمثّل في حد ذاته قيمة حضارية مهمة جداً. لذلك يعتقدان أنه لا يمكن فرنسا أن تبقى مكتوفة الأيدي، وقد تحركا في كل الاتجاهات، وأجريا اتصالات مع سوريا ومع إيران وهما على استعداد لمحاولة كل شيء من أجل إنقاذ الوضع وإجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن. ولذلك رأينا كيف أن الرئيس ساركوزي طلب من الوزير كوشنير قطع زيارته للجزائر والتوجه على الفور إلى بيروت لمد يد المساعدة للمسؤولين اللبنانيين».
وعندما تُسأل هذه المصادر عن تقويم الدبلوماسية الفرنسية لأداء هؤلاء المسؤولين فإنها لا تجيب وتتحفظ عن إبداء رأيها وتترك الإجابة للرأي العام اللبناني المعني الأول بهم لأنه اختارهم، ولأنه المسؤول الحقيقي عن وجودهم في مواقعهم وعن طريقة تصرفهم. وتكتفي، بما يوحي بعدم إعجابها بها، بالإشارة إلى الحاجة إلى التدخل الدائم لترتيب العلاقات وخلق آلية تفاهم فيما بينهم، إذ إنه ليس لدى الطبقة السياسية على وجه عام أي قدرة خلاقة قادرة على استنباط الحلول للمشاكل التي تنشب بين أقطابها، سواء كانوا في المؤسسات الدستورية حيث ثمة آليات محددة لفض النزاعات أو خارج هذه المؤسسات حيث يفترض أن يتم الرجوع إلى القيم والأعراف الديموقراطية اللبنانية التي غيبتها سنوات الزمن السوري الطويلة في لبنان.
لو أخذت الدبلوماسية الفرنسية بالنصيحة البطريركية قبل عامين لكان من الممكن تفادي الكثير من الخضات ولكان حصل كل طرف على حجمه التمثيلي الحقيقي في البرلمان. فلا عانى اللبنانيون حقوقاً مهضومة من جهة، ولا من مزايدات لا تعرف حداًَ لها من جهة ثانية.