عمر نشابة
ألقى المندوب الدائم في مجلس الأمن السفير نواف سلام كلمة لبنان خلال جلسة تقديم رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وآخرين، سيرج براميرتس، تقريره التاسع والأخير أمام مجلس الأمن. وتضمّنت تلك الكلمة مغالطات مهنية ولغوية وتلاعباً بمضمون التحقيق الذي كُتب بأسلوب مهني دقيق. في النصّ الآتي نعرض ما قاله سلام من جهة وما تضمّنه التقرير من جهة أخرى ليتمكّن القارئ من تحديد التلاعب بالحقيقة.

دوافع الجريمة

في معرض كلمته «أكّد» سلام نقاطاً ادّعى أن التقرير «يتضمّنها» ومنها «التمكن من تحديدٍ أدق لنطاق الدوافع المحتملة للاغتيال، بحيث باتت تقتصر على النشاطات السياسية للرئيس الحريري في الأشهر والسنوات التي سبقت اغتياله، ولا سيما لجهة علاقة الدوافع المحتملة بالأحداث التالية: اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1559، تمديد ولاية الرئيس إميل لحود، الإصلاح المقترح لقانون الانتخابات، ووضع الرئيس الحريري السياسي على مشارف الانتخابات النيابية عام 2005».
صحيح أن الفقرة 46 من التقرير تحدّثت عن «تضييق دائرة الدوافع المحتملة للاغتيال لتشمل تلك المتصلة بنشاطات الحريري السياسية» وليس كما قال سلام «تحديد أدقّ لنطاق الدوافع المحتملة» لكن أهمّ من ذلك الفارق اللغوي المهمّ، وعكس ما جاء في كلمة سلام، أن التقرير لم يغفل، لا بل ذكر أنه «لا يمكن إغفال أن يكون دافع اغتيال الحريري قد تكوّن من مزيج من العوامل السياسية والطائفية» (الفقرة 50) وفي الفقرة نفسها نصّ التقرير «فحصت اللجنة فرضيات أخرى، يتضمّن ذلك احتمال أن يكون الحريري قد استُهدف من مجموعات متطرفة لأسباب محتملة عديدة، من ضمنها واقع أنه كان ينظر إليه على أنه شخصية بارزة في جماعته». ولا تقتصر هذه الفقرة على التحليل وعرض الاحتمالات حتى لا يعتبر ذكر ذلك العرض فقط من باب الحرص على التوازن، بل تضمّنت الفقرة أيضاً جانباً عملياً لمحققي اللجنة اذ نصّت: «استمرت اللجنة بفحص هذه الأمور من أجل فهم دقيق لكل فرضية وتحديد احتمال الاستمرار فيها. ومع احتمال أن يكون مزيج من العوامل قد أثّر على دافع اغتيال الحريري، تفحص اللجنة بدقة احتمال أن يكون فريقان أو أكثر من المرتكبين قد تولى قسماً من تحضير الهجوم وتنفيذه».

فرضيات تُثبَت؟

أما النقطة التالية التي ادّعى سلام أن التقرير «يتضمّنها» فهي «بلوغ نتائج عدة تثبت الفرضيات التي كانت قد توصلت إليها اللجنة بأن صلات عملانية قد تكون موجودة بين المرتكبين المحتملين لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصحبه والتفجيرات والاغتيالات الإرهابية التي تلتها والتي تُقدم اللجنة الدعم لتحقيق السلطات اللبنانية فيها».
قبل عرض نصّ التقرير بهذا الخصوص لا بدّ من التوقّف عند حديث سلام عن «نتائج عدّة تثبت الفرضيات». ألا يعلم الأستاذ الجامعي السابق نواف سلام أن الفرضيات تعتبر كذلك لأنها لم تثبت بعد وإذا تمّ إثبات الفرضيات فلا تبقى فرضيات. ولعلّ استخدام سلام الصيغة اللغوية «تثبت الفرضيات» الدليل الأبرز على تلاعبه بالنصّ. أما في التقرير فوردت الفقرة 48 ونصّت «(...) عملت اللجنة أيضاً على التحقيق في (وتقويم) كيفية إمكان ربط هذه الدوافع المحتملة بين اغتيال الحريري والقضايا الأخرى التي تقدم اللجنة مساعدة تقنية فيها». يشير ذلك بوضوح الى عدم تمكّن لجنة التحقيق الدولية من الحسم أو «تثبيت الفرضيات» التي تدلّ على «صلات عملانية» بين المرتكبين المحتملين لجريمة اغتيال الحريري من جهة والتفجيرات والاغتيالات الإرهابية «التي تلتها». واللافت أيضاً أن سلام أغفل في كلامه عن التفجيرات والاغتيالات الإرهابية «التي تلت» جريمة اغتيال الحريري، محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة في الأول من تشرين الأول 2004 وذلك قبل اغتيال الحريري. ألم يقرأ سلام القرارات الدولية جيداً ليعلم أن لجنة التحقيق الدولية تقدّم المساعدة التقنية للتحقيق اللبناني في عدد من الجرائم الإرهابية التي تلت اغتيال الحريري والجريمة التي سبقتها في الأول من تشرين الأول 2004.

صحب الحريري ورفاقه

تحدّث سلام في مطلع كلمته عن «جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وصحبه» وكرّر في آخر كلمته «نحن نقترب من الذكرى الثالثة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصحبه، ومن لحق بهم على درب الشهادة ممن عملوا على تعزيز استقلال لبنان ودافعوا عن الحريات فيه»، لكن يبدو أن السفير سلام يجهل أو يتجاهل وجود عدد كبير من الشهداء المدنيين الذين لا علاقة لهم بالسياسة وبالحريري وبـ«تعزيز استقلال لبنان» والدفاع «عن الحريات فيه» بل هم مجرّد عمّال ومواطنين عاديين كانوا بالصدفة في مكان الانفجار لحظة وقوعه. وقد يكون سبب تجاهل سلام لهؤلاء الشهداء يتعلّق بـ«ريتوريك» أو الكلام المنمّق الذي أراد التعبير عنه أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي لأسباب سياسية. لكن لا يحقّ للسفير سلام ولا لغيره تجاهل الشهيد رواد حيدر الموظف في فندق السان جورج والشهيدة يمامة ضامن والشهيدة آلاء عصفور وغيرهم من المواطنين العاديين الذين لا علاقة لهم بالسياسة والسياسيين. كما لا يحقّ لسلام تجاهل أكثر من 40 شهيداً مدنياً سقطوا في الهجمات الإرهابية التي تساعد اللجنة الدولية السلطات المحلية على التحقيق فيها.
أخيراً قال سلام في مطلع كلمته «استمعنا بانتباه كبير للعرض الذي قدّمه المفوّض براميرتس عن حصيلة عمل لجنة التحقيق الدولية»، لكن يبدو أن «انتباه» سلام «الكبير» لم يكن كافياً لفهم ما تضمّنه التقرير المهني الذي قدّمه براميرتس.