حسن عليق
بالتزامن مع تجمع نواب الأمة في مجلسهم أمس، علق المواطنون في شوارع بيروت ومداخلها في زحمة سير أقل ما يقال فيها إنها خانقة. ولم يتدخّل المسؤولون بشكل فعّال لمحاولة حل أزمة السير


«يا وطن، صرلي من الساعة 12 بالسيارة، مَرّقني please»، قالت إحدى السيدات أمس قرابة الثانية والنصف بعد الظهر، موجهة كلامها إلى شرطي سير مكلّف بقطع الطريق في منطقة رمل الظريف، لأن أحد المسؤولين سيمر بموكبه في المنطقة. «مش بس مسؤول واحد رح يمرق من هون. طفّوا سياراتكم وانطروا»، صاح رداً عليها رجل يرتدي لباساً مدنياً ويحمل جهازاً لاسلكياً، كان يقف في المكان الذي انفجرت فيه سيارة مفخخة قبل 18 عاماً وأودت بحياة رئيس الجمهورية رينيه معوض.
الرجل المذكور الذي كان عدد من أفراد قوى الأمن الداخلي ينادونه بـ«سيدنا»، تولى مع عناصره قطع الطريق في المنطقة المذكورة، مما أدى إلى توقف السيارات في الطريق في صفوف وصلت حتى تلة الخياط. لكن قطع الطريق المذكورة لم يكن وحده سبب الازدحام في شوارع العاصمة، والذي يكاد يكون غير مسبوق لناحية شدته وشموله كل شوارع بيروت ومداخلها تقريباً، وعانى منه المواطنون ابتداءً من ساعات الصباح حتى ما بعد الظهر. فإضافة إلى هطول مطر شديد بدأ خلال الليلة السابقة وأدى في أكثر شوارع العاصمة إلى طوفان مياه المجاري الصحية لانسداد عدد منها، كانت قوى الأمن الداخلي قد قطعت عدداً كبيراً من طرقات العاصمة المؤدية إلى مجلس النواب ومحيطه بسبب انعقاد جلسة دعي إليها النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. وعند مغادرة ممثلي الشعب ورؤساء الكتل لمجلس النواب، كان طلاب المدارس قد بدأوا بالخروج من مدارسهم. وكل مسببات زحمة السير المذكورة أعلاه، أضيفت إلى الحفريات على الخط البحري وقرب ثكنة الحلو، عدا اقفال اعتصام المعارضة لساحتي الشهداء ورياض الصلح اللتين أضيفتا إلى المربعات الأمنية الكبرى الموزعة في أحياء مختلفة من العاصمة، والتي مُنِعت السيارات من المرور فيها منذ أشهر، أو زرعت في طرقاتها حواجز حديدية لتخفيف سير المركبات.
وكان مرور السيارات ممنوعاً أمس ابتداءً من الخامسة صباحاً في كل شوارع الوسط التجاري الغربية (بين مجلس النواب وفندق فينيسيا)، إضافة إلى قطع الطرقات المؤدية إلى ساحة الشهداء ومجلس النواب وفندق فينيسيا ابتداءً من التاسعة صباحاً. وبعد الظهر، مع إعلان تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بدأت المواكب تتجول في شوارع العاصمة، وخاصة أن عدداً من الشخصيات التي ترى نفسها مستهدفة تستخدم عدة مواكب بقصد التمويه. وقبل مرور كل واحد من هذه المواكب، كان عناصر الأمن ينتشرون بأسلحتهم وعتادهم الظاهر بين ساحة النجمة ومنزل المسؤول، قاطعين الطرق المؤدية إلى الشارع الذي سيمر الموكب فيه. وعندما تختفي السيارات من المسلك المنوي المرور عليه، يمر الموكب مسرعاً مطلقاً أبواقه... وهكذا دواليك حتى تنتهي لعبة التخفي.
وكان السير بين مئات السيارات المتوقفة وسط الزحام كافياً لسماع تذمر المواطنين: «الحق على الشعب الّي بعدو ساكت»، ردد أحد سائقي سيارات الأجرة، قبل أن يضيف: على شو تسكير الطرقات وكل هالعجقة؟ كرمال رئيس الجمهورية؟ بلا رئيس. لشو بدن رئيس؟ ما متل قلّتو، بدي بس أوصل على بيتي وما بقا بدي اشتغل بهالنهار الـ(...)». وفيما حمّل غالبية المواطنين الذين التقتهم «الأخبار» أمس المسؤولية لـ«الدولة»، ابتسم عدد آخر بسخرية، وقال أحدهم إنها «لمنع الألسنة من التعليق حفظاً للآداب». وبسؤال أحد السائقين عن رأيه بالازدحام، صرخ قائلاً: «يستر عليك ما تخليني بلّش»، ثم ما لبث أن انهال بالسباب على «الدولة» وعلى عدد كبير من السياسيين. «الله ياخدهم كلهم» تقول احدى النساء التي قضت في الزحمة «اكثر من ساعة ونصف»، وبسؤالها عمن تقصد، تبتسم وتركز نظرتها على شرطي السير، آملة أن يفرج عنها قريباً.
مرت المواكب بسلام، والمواطنون عالقون في زحمة سير تحت المطر الغزير، وعلى كل تقاطع، وقف شرطي تبللت ثيابه رغم الملابس الواقية من المطر التي يرتديها. وبالقرب منه عدد من افراد الجيش بسلاحهم، بعدما انتشروا في شوارع المدينة منذ أكثر من عشرين يوماً. وحدهم، ضباط قوى الأمن الداخلي، بقوا في مكاتبهم، ولم يظهروا لمحاولة حل الأزمة التي عانى منها أمس من يدفعون لهم رواتبهم.