strong>عمر نشّابة
نجحت الدولة اللبنانية في تجاوز جميع المواد المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان. وقد لا يبدو ذلك استثنائياً فالعديد من القرارات الدولية تخرق يومياً، لكن اللافت في الأمر أن الدستور اللبناني ينصّ على وجوب الالتزام بحقوق الانسان. فهل يطرح هنا أيضاً تعديل دستوري؟

صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الانسان (القرار 217-أ) في 10 كانون الأول 1948. القرار ليس ملزماً للدول الأعضاء لكن الدستور اللبناني ينصّ على أن لبنان «عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.» (الفقرة «ب» من مقدمة الدستور). لذا على الدولة بكل دوائرها التنفيذية والتشريعية والقضائية الالتزام بالقرار 217 الدولي التزاماً كاملاً.
إن الالتزام بحقوق الانسان يتطلّب من دوائر الدولة جهوداً «سلبية» من جهة و«إيجابية» من جهة أخرى، كما يتطلّب تعاوناً ومشاركة وإجماعاً. الجهود السلبية هي الامتناع عن القيام بأفعال تمسّ كرامة الناس وحقوقهم، مثلاً إن امتناع الشرطة عن التعذيب والاعتقال التعسّفي يتطلّب جهوداً «سلبية» أما توفير العلم والعمل للمواطنين فيتطلّب جهوداً إيجابية.
رغم الجهود الفردية التي قام ويقوم بها بعض القضاة والضباط في الضابطة العدلية وبعض المديرين العامين في وزاراتهم وعدد من الموظفين، تغيب عن الدولة وعن الحكومة الحالية البرامج الفعّالة التي تهدف الى الالتزام بتعهّدات لبنان الدستورية والدولية في آن واحد.
«لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء» (2).
تضرب الدولة اللبنانية بهذه المادة عرض الحائط إذ إن قانون الأحوال الشخصية يميّز بين المواطنين، وقانون الجنسية يميّز بين الرجل والمرأة، فهي محرومة من منح الجنسية لزوجها وأولادها. أما في ما يخصّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فهم يعانون تمييزاً عنصرياً من الدولة اللبنانية التي تميّز بينهم وبين غيرهم من اللاجئين وتحرمهم من العمل والتملّك والعيش الكريم، إذ لا يحقّ للفلسطيني أن يبني غرفة من الاسمنت ليحمي عائلته من برد الشتاء.
«لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكل أوضاعهما» (4). في لبنان عشرات الآلاف من العاملات الاجنبيات من الجنسيات السريلانكية والفيليبينية والاثيوبية والاريترية وغيرها يعاملون كالعبيد وتؤخذ منهم جوازات سفرهم ويُحجزون في المنازل ويمنعون من التنقّل.
«لا يُعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة»(5). صدرت بعض الأحكام القضائية القليلة أخيراً التي تشير الى تعذيب موقوفين على أيدي عناصر من الشرطة كما سجّلت مؤسسات إنسانية تعرّض موقوفين للتعذيب على أيدي عناصر عسكرية خلال معارك مخيم «نهر البارد».
«لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية» (6). تقدّر الجمعيات الانسانية أن في لبنان 10 آلاف لاجئ فلسطيني لا يحملون أية أوراق ثبوتية وبالتالي يحرمون من كلّ الحقوق.. حتى الحياة، إذ لا فرق قانونياً إذا عاشوا أو ماتوا.
«لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه (10). يمنع المواطنون من حضور المحاكم العسكرية في لبنان كما يسجن أشخاص في سجون غير شرعية («سجن المعلومات» في رومية) دون محاكمتهم بعد مرور أكثر من سنتين. إن مبنيي الموقوفين في سجن رومية المركزي يكتظّان بأكثر من 3000 موقوف ومنهم من ينتظر المحاكمة منذ أكثر من 3 سنوات بينما تعجّل الإجراءات القضائية في حالات استثنائية ما يشير الى تمييز واضح. كما أن تفشّي الفساد وظاهرة «الواسطة» يحرم بعض الناس حقوقهم بينما يمنح أكثر من حقوق لغيرهم.
«كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه» (11). نذكر المؤتمر الصحافي الشهير لوزير الداخلية حسن السبع في 13 آذار 2007 الذي سمح لنفسه بالإدانة ولم ينتظر المحكمة التي لم تصدر قرارها الظني حتى اليوم! كما أن العديد من السياسيين والاعلاميين يستبقون المحكمة لإصدار أحكامهم ولإدانة أشخاص بارتكاب جرائم.
«لا يعرّض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات» (12). لكن في الطرقات العامة، شارع الحمرا مثلاً، تنتشر الكاميرات التابعة لشركات أمنية خاصة تراقب الناس وتحركاتهم وخصوصياتهم. كما أن القانون اللبناني يعطي الحقّ للحكومة في إعطاء الإذن للتنصّت على الاتصالات دون مراجعة القضاء.
«للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله». لا يمنح قانون الأحوال الشخصية الحقوق المتساوية عند الزواج والطلاق فتحرم المرأة من أولادها عند الطلاق إذا كانوا قد بلغوا سناً معينة. ولا يعتبر الزواج الديني الرجل والمرأة متساويين في جميع الحقوق بينما لا يحرم المواطنون من الزواج المدني الاختياري في لبنان.
«لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. ولكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد» (21). إن نظام الطائفية السياسية يحرم أشخاصاً من تقلد أهمّ الوظائف العامة كرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب وقيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي بسبب الطائفة أو المذهب الذي ينسب إليهم.
«لكل شخص، بصفته عضواً في المجتمع، الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تحقق، بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته» (21). يحرم أكثر من 30 ألف لبناني وعائلاتهم من الضمان الاجتماعي الاختياري وترفض المستشفيات استقبال المرضى قبل أن تدفع الدولة متوجباتها.
«لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية» و«لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته». حدّدت الدولة الحدّ الأدنى للأجور بـ300 ألف ليرة لبنانية شهرياً وهذا المبلغ لا يسمح بـ«عيشة لائقة بكرامة الانسان» ولا يكفي للطعام والمشرب والملبس.