نقولا ناصيف
إذا تعذّر مجدداً التئام الجلسة الثامنة لمجلس النواب اليوم، فإن احتمال انتخاب العماد ميشال سليمان قد يصبح أكثر تعقيداً في المدة الفاصلة عن نهاية هذا الشهر، الذي ينتهي به العقد العادي الثاني للبرلمان في 31 كانون الأول، وسيتعيّن عندئذ انتظار شهر آذار على الأقل للعودة إلى استحقاق وفراغ دستوريين أضحيا في مهب الريح، لسببين:
الأول، اقتصار اختصاص مجلس النواب في اقتراح إجراء تعديل على أحكام الدستور على عقد عادي للمجلس، عملاً بالمادة 77 من الدستور، وهو بعد ذلك يفقد هذا الحق، ويقتضي انتظار العقد العادي التالي. والثاني، أن الاختصاص الممنوح لرئيس الجمهورية بطلب اقتراح تعديل دستوري بحسب المادة 76 يجيز له هذا الحق في أي من العقود العادية والاستثنائية. ولأن الحكومة تسلّمت بعد 23 تشرين الثاني الفائت، وكالة، صلاحيات رئيس الجمهورية انسجاماً مع أحكام المادة 62 على أثر شغور الرئاسة، فإن في وسعها الاضطلاع بالدورين المحددين في المادة 76، وهما اقتراحها تعديلاً دستورياً ما لكونها تمارس اليوم صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وكذلك تقدّمها كحكومة بمشروع التعديل إلى مجلس النواب وفق ما تلحظه المادة 76 التي تنيط بها هذا الاختصاص.
مغزى ذلك أن المأزق الدستوري، شأنه شأن المأزق السياسي، يصبح إرباكاً وإحراجاً، وتشتد استحالة إجراء انتخاب رئاسي خارج العقد العادي الثاني الحالي، ما دامت المخارج المتداولة تحاول التوفيق بين عدم خرق الدستور بتجاوز دور الحكومة في إجراء التعديل الدستوري كما ينادي الموالون، وبين الخلاف على ميثاقية حكومة السنيورة ودستوريتها الذي يثيره فريق المعارضين. أضف أن الغاية المتوخاة من اقتراح تعديل دستوري من خلال مجلس النواب هي إضفاء طابع الإرادة الجامعة للمجلس على استحقاق يحمل الحكومة على استجابته ووضع مشروع بالتعديل بحسب الآلية المرسومة في المادة 77، لا أن تكون الحكومة هي صاحبة المبادرة ما دامت منقسمة على نفسها.
يقضي ذلك أيضاً بضرورة الاتفاق على إخراج الاستحقاق الرئاسي من مأزقه الراهن قبل نهاية الشهر الحالي. وتحت وطأة عامل العجلة هذا، تسلّم رئيس المجلس نبيه بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، قبل عطلة نهاية الأسبوع، صيغة تعديل للفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور، توطئة لانتخاب قائد الجيش رئيساً، من غير أن يتخذا بعد موقفاً صريحاً وعلنياً منها. وهذا ما عبّر عنه تريّث كل من الموالين والمعارضين، في توقيع عريضة التعديل. وضع الصيغة النائب بهيج طبارة، آخذاً في الاعتبار المعطيات الآتية:
1 ـــــ التلازم بين الاقتراح النيابي الذي ستتضمنه عريضة النواب الـ10 لإقرارها في مجلس النواب، ومشروع التعديل الذي ستعدّه الحكومة في ضوء الاقتراح النيابي وإرساله من ثمّ إلى البرلمان للتصويت عليه وإقراره واعتبار التعديل الدستوري نافذاً. وبسبب طابع العجلة وتجاوز مهلة الإصدار والأمر بالنشر في الجريدة الرسمية، سيصار فور إقرار المشروع الحكومي للتعديل في مجلس النواب إلى نشره لصقاً على باب البرلمان. وترمي فلسفة التلازم بين الاقتراح النيابي والمشروع الحكومي إلى تجنيب التعديل جدلاً دستورياً وسياسياً في كل من مجلسَي النواب والحكومة عندما يُعرض عليهما، فلا يدخلان في متاهات السجال والاجتهاد وإهدار الوقت على نحو يفضي إلى تأخير الإقرار، بينما المطلوب التقدّم بصيغة متكاملة لكل من مجلسَي النواب والوزراء لإقرارها بثلثي أعضاء كل منهما في أسرع وقت ممكن.
2 ـــــ تهدف الصيغة التي وضعها طبارة إلى اقتراح يتقدّم به عشرة نواب لتعديل المادة 49 لانتخاب رئيس جمهورية جديد وإنهاء الشغور في منصب الرئاسة، وإلى وضع مشروع حكومي يستجيب الاقتراح النيابي بانتخاب رئيس جمهورية خلافاً للمادة 49 من الدستور من بين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها في الإدارات العامة.
على أن هذا التعديل يقتصر على إزالة المانع الدستوري من طريق انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية دون سواه ممّن يشملهم حظر الانتخاب المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 49. والمقصود بذلك أن التعديل المقترح لا يرفع المانع الدستوري من طريق انتخاب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لكون الفقرة الثالثة من المادة 49 تدرجه في نطاق «الأشخاص المعنويين في القانون العام». وهو التعريف الذي تقدّمه المادة 13 من قانون النقد والتسليف عن مصرف لبنان على أنه شخص معنوي في القانون العام.
3 ـــــ تتوخى صيغة طبارة تعديل الدستور عبر تعليق العمل بالفقرة الثالثة من المادة 49 بدون تعديلها أو إلغائها، لأسباب تتصل بالجدلين الدستوري والسياسي المحيطين بها، بين مُطالب بالتعديل وآخر بالإلغاء. إلا أن هذا التعليق الذي يقتضي في أي حال تصويت ثلثي كل من مجلسَي النواب والوزراء عليه، يجد حداً لسريانه، بحيث يقتصر على أول انتخاب رئاسي بعد إقرار هذا التعليق، على أن يُعاد العمل بالفقرة الثالثة على ما كانت قبل التعديل، وذلك بغية تجنيبها الطابع الاستثنائي الذي رافق تعديل المادة 49 ثلاث مرات أعوام 1995 و1998 و2004.
ليست هذه المرة الأولى. في أيار 1964، في حمأة سعي «النهج» الشهابي بعد الانتخابات النيابية عامذاك إلى تجديد ولاية الرئيس فؤاد شهاب، طرح الرئيس رشيد كرامي ـــــ ولم يكن رئيساً للحكومة ـــــ تعليق العمل بالمادة 49 بما يجيز استمرار الرئيس في منصبه ست سنوات دون تعديلها. لم يلقَ الاقتراح صدى، فطُوي لمصلحة عريضة وقّعها 79 نائباً تطلب تجديد انتخاب شهاب.