البداوي ــ عبد الكافي الصمد
«نرجوكم اكتبوا لهم أن يُرسلوا إلينا ما نستطيع أن نتدفّأ به، فنحن نرتجف ليلاً من البرد، وخصوصاً كبار السنّ والأطفال». عبارة أطلقتها امرأة في العقد الثالث من العمر، وهي تهمّ بالخروج من مدرسة «كوكب» التابعة لوكالة الأونروا في مخيم البداوي، قبل أن تُردف امرأة أخرى كانت على مقربة منها سائلة: «ابني الرضيع يحتاج إلى حليب، وأنا لم أعد أستطيع أن أرضعه أو أن أشتري له حليباً، هل هناك من تعرفونه يستطيع أن يساعدنا؟».
عشرات النّسوة اللواتي لا يزلنّ قاطنات في مدارس مخيّم البدّاوي منذ نزوحهنّ من منازلهنّ في مخيّم نهر البارد قبل أكثر من خمسة أشهر، بدأت أصواتهنّ بالارتفاع طلباً للمساعدة، وخصوصاً بعدما أُهملت قضيتهنّ على نحو كبير، إنْ في موضوع العودة إلى المخيّم، أو في مجال تأمين المساعدات الضرورية لهن، والتي تراجعت إلى حدّ كبير، وباتت تقتصر على ما تقدّمه الأونروا، وهو بالكاد يسدّ الرمق.
«حتى الإعلام بات لا يهتمّ بنا»، تقول امرأة عند مدخل إحدى غرف المدرسة التي تؤوي ثلاث عائلات، من بين عشرات العائلات القاطنة في الغرف الأخرى، وتضيف بصوت مشوب بالمرارة والحسرة: ألسنا بشراً حتى نُعامل بهذه الطريقة، وماذا فعلنا حتى نُرمى في هذا المكان مثل الحيوانات؟. «الحيوانات تُعامل أحسن منّا»، تردّ جارتها من داخل الغرفة قبل أنّ تهمّ بالخروج بعد أن تضع غطاءً على رأسها، وتوجّه انتقادات لاذعة بـ «العمالة والخيانة» لكلّ الفصائل الفلسطينية والزعماء العرب والمسلمين!
في باحة المدرسة تقف مجموعة من النّساء جنباً إلى جنب عند المغاسل الموجودة عند طرف الملعب الصيفي، وهن يقمنّ بغسل ثياب عائلاتهنّ. هذا الغسيل منشور بدوره في الهواء الطلق، في الملعب أو عند نوافذ الغرف في طبقات المدرسة الثلاث، أو حتى في الممرّات والردهات الداخلية للمدرسة.
«ماذا تريدون أن تصوّروا؟ يا عيب الشّوم على الأمّة العربية»، تقول إحداهنّ بغضب وبصوت مرتفع. وبعد أن تهدأ قليلاً تسأل بمرارة: «هل يجوز أن نغسل ثيابنا بمياه باردة في هذا الجوّ القارس، ألم تعد عند أحد نخوة لمساعدتنا؟». وقبل أن تتابع عملها تقول بلهجة عاتبة: «هل يرضى أحدكم أن تنشر أمّه أو أخته أو زوجته ملابسها الداخلية على مرأى من الغرباء؟». هذه الحال المأساوية لنازحي مخيّم نهر البارد تفاعلت على نحو كبير في الآونة الأخيرة، إذ يكاد لا يمرّ أسبوع من غير أن ينفّذوا اعتصاماً احتجاجياً أمام مكتب الأونروا في مخيّم البدّاوي، أو يرفعوا مذكرات بالمطالب إلى مدير الوكالة في لبنان ومفوّضها العام.
المذكرة الأخيرة التي رفعها معتصمون إلى مسؤولي الأونروا تضمّنت عبارات قاسية، واتهامات بالإهمال والتقاعس والفساد، بعدما رأت أنّ «مسؤولين فيها ينعمون ويسهرون ويشربون كأس نازحي مخيّم نهر البارد، ويصرفون مئات آلاف الدولارات شهرياً على الترف والسهر في فندق «كواليتي ــــــ إن» في طرابلس، ولا يعرفون شيئاً عن معاناة النّازحين وآلامهم».
وإذ لفتت المذكّرة إلى «حقّ الفلسطينيين في أن يعيشوا مثل غيرهم من البشر، وليس مثل الحيوانات كما هي الحال اليوم»، فإنّها دعت مسؤولي الأونروا إلى أن «ينصبوا خيمة أو يقيموا في الكاراجات «مثل عشرات العائلات التي لا تزال حتى اليوم مقيمة فيها، وأن يعاينوا الواقع كما هو على الأرض في المخيّم».