strong>رضوان مرتضى
يدمن شبان جامعيون وعاطلون عن العمل تعاطي حبوب مخدرة، تستخدم في الأصل أدوية للأعصاب والسعال. وهؤلاء يحصلون عليها خلافاً للقانون، وبعضهم «يشطّب» جسده بعد تعاطي هذه الحبوب «طلباً للرضى»

تنزف الدماء من يدي ربيع ورقبته وبطنه. لم يتعرض لحادث عنيف، ولم يقع ضحية اعتداء ما. فهو يحمل في يده اليمنى شفرة حلاقة ويرسم بها على جسده خطوطاً يتدفق منها الدم. وكلما خرج بغزارة أكثر، ظهرت علامات الرضى أكثر على وجهه. وعندما تحاول منعه من «تشطيب» نفسه، ينهرك صديقه: «لا تفكر بهذا الأمر، إلا إذا أردت رؤية تلك الشفرة في وجهك».
ربيع، الذي كان منهمكاً بتصفية حسابه مع جسده، شاب عشريني ترك المدرسة منذ أربع سنوات، ويعمل، حسب قول صديقه أحمد، في «سرقة الدراجات النارية وبيعها للحصول على المال اللازم لشراء الحبوب المخدرة. وبعد تعاطيه هذه الحبوب، يبدأ بتشطيب نفسه».
أما أحمد، فكان سابقاً يتعاطى الحبوب المخدرة، ويُرجع بدايات تجربته وصديقه مع هذه الحبوب إلى ما قبل ثلاث سنوات، عندما كانا يذهبان مساء كل يوم إلى منطقة خلدة، ويجلسان على شاطئ البحر: «كان محور حديثنا الدائم الهموم والمشاكل والمستقبل المظلم: فقراء، بلا عمل، نواجه مشاكل مع أهلنا، وفوق كل ذلك، ليس بمقدورنا فعل شيء».
خلال تلك الجلسات تعرف الشابان إلى الحبوب المخدرة عبر أصدقاء لهما. يذكر أحمد أن أول مرة تعاطى فيها «حبوب الإجرام» كانت بناءً على تشجيع أصدقائه: «كان في مشكل، وقالوا لي بتعطيك قوة مش طبيعية وما بتخاف، بتدعس على قلبك»، ومن هنا أخذت تسميتها. «في البداية، شعرت بجفاف في الحلق وثقل في الجفون، مع بعض القلق والخوف»، يشرح أحمد، «لكن ما لبث هذا الخوف أن تلاشى وتحول إلى ثقة كاملة بالنفس». في تلك اللحظة «يستيقظ» ربيع قائلاً: «أغلب الموجودين في رومية يتعاطون ريفوتريل حتى يفقدوا الذاكرة». يصمت بعدها ليعود إلى نشوة «تصفية الحساب مع جسده».
الأسماء الطبية للحبوب المتعارف عليها بين هؤلاء الشباب هي من حبوب الأعصاب: «Lagaflex‚ Tramal‚ Benzexol‚ Lexotanil و Revotreel»، تتراوح أسعارها بين 6 آلاف ليرة و10 آلاف، وتحتوي العلبة الواحدة على ثلاثين حبة تكفي المدمن لستة أيام، أي بمعدل خمس حبات في اليوم. ولا يمكن الحصول عليها من الصيدليات إلا بوصفة طبية تحمل تاريخاً محدداً، هذا ما يؤكده الصيدلي حسين ص: «لا نعطي هذه الأدوية إلا إذا كان طالبها يحمل وصفة طبية».
لكن هناك طرق يعتمدها ربيع للحصول على هذه الأدوية: إما من صيدلي صديق له، أو عبر تزوير تاريخ الوصفة الطبية التي لديه.
ربيع، الذي حاول الانتحار أكثر من مرة لأسباب غير معروفة حسب قول صديقه، سبق أن أوقفته قوى الأمن الداخلي مدة شهر ونصف الشهر بتهمة تعاطي الحبوب الممنوعة. أما أحمد، فكان اعتقال ربيع السبب المباشر في إقلاعه عن تعاطي الحبوب، بحسب قوله، حيث لجأ إلى طبيب كي يساعده على تخطي محنته، «وفعلاً نجحت في ذلك».
يكمل أحمد اليوم دراسته الجامعية في اختصاص هندسة الديكور، ويحاول إخراج صديقه ربيع من «جحيمه، لكن من دون جدوى».

طلاب الجامعات في المصيدة

لكن الدخول إلى الجامعة لا يعني تلقائياً التخلص من الإدمان. فهناك عدد كبير من الشباب الجامعيين المدمنين أنواعاً من حبوب الأعصاب. وفي هذا الإطار يتحدث «رامي» (طالب في كلية الهندسة)، عن بداية مشواره مع الحبوب المخدرة: «أصبت باكتئاب في إحدى المرات، «فنصحني» صديق لي بأن أجرب ثلاث حبات «Tramal» كانت في حوزته، وفعلاً شعرت بتحسن: بتخليك تطير».
«رامي» ليس الوحيد، هناك صديقه «بلال» (طالب في كلية الآداب) يقول: «للسهرات الطويلة المفتوحة ما إلك غيرو منشط، مثل الكوكايين بتضلك فايق». عندها يتدخل «رامي» ناصحاً بناء على خبرته: «إذا بدك تعبي راسك بتاخد (lagaflex لوجع المفاصل) مع (Cimo دواء سعال)، لكن انتبه لا تكثر من حبوب وجع المفاصل بيصير عندك رجفة».
أما عن كيفية حصولهم على هذه الأدوية فيقولون إن صديقاً لهم يعمل في إحدى الصيدليات يتولى توفيرها لهم، وهو الآخر «بنفس الجو»، أي يتعاطى.
لهذه الحبوب آثار كارثية على صحة الإنسان، فهي ـــــ حسب أحد الأطباء ـــــ قد تؤدي إلى تلف في الخلايا الدماغية، ما يؤثر على الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والذاكرة، كما أنها من الممكن أن تؤدي إلى فشل في وظائف الكبد والكلى.
ولهذه الأدوية عوارض عديدة تتمثل بالهلاوس السمعية والبصرية وكلام غير مفهوم وعدم اتزان، بالإضافة إلى الشعور الخاطئ بالقوة، فضلاً عن الدوافع الانتحارية والميل إلى القتل.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 6 من قانون المخدرات تنظم عملية صرف هذه الأدوية، إذ يجب على الصيدلي تسجيل اسم الطبيب محرر الوصفة، واسم المريض وعنوانه، وتاريخ الصرف، وتسمية العقار والكمية المصروفة. لكن رغم ذلك، يؤكد المتعاطون أن هناك تجاوزات تمكّنهم من الحصول على مرادهم.