strong>راجانا حميّة
لم تخرج «التربية الجنسيّة» بعد من جعبة الخجل، فما زال الخوض في غمارها أسير عوامل كثيرة تحتّمها البيئات الاجتماعيّة وتقاليد الأهل في ربط كلّ ما له علاقة بـ«الجنس» بـ«قلّة الأدب». ولم تخرج أيضاً من جعبة وزارة التربية التي ما زالت في طور الاقتناع بالمصطلح، الذي بدا لبعض صانعي القرار بمثابة دعوة الشباب إلى «الزعرنة»

سنوات طويلة حاول خلالها الكثيرون التخفيف من وطأة «العيب» في مسيرة إدخال التربية الجنسيّة في المناهج، من أجل فتيانٍ وفتياتٍ ما زالوا يحملون المسألة الجنسيّة «سرّاً» يلزمه جهد ذاتي وجرأة للتعرّف إليه عن كثب، ولم يُفلحوا لأسبابٍ كثيرة، أهمّها خوف الشريحة المستهدفة من إخراج سرّها إلى العلن وعدم تقبّل المحيطين وأصحاب القرار الذين آثروا أن يتلقّى أطفالهم تربيتهم الجنسيّة من الشارع والأفلام الإباحيّة... والصدف التي تضعهم وجهاً لوجه معها.
ورغم ذلك، ثمّة من يريد العبث لإباحة السرّ، وتربية الشباب على «الصحّة الجنسيّة» وفق أسسٍ علميّة صحيحة ضمن المنهاج التربوي، وفي هذا الإطار، تحاول «مسار السياسات الشبابيّة» خوض التجربة على الأرض مع الفئة المستهدفة لحمل أجوبتهم إلى العلن، وأصحاب القرار من أجل تشريع حشريّتهم لمعرفة تفاصيل الجسد، بعيداً من الخوف. لكن «مسار»، التي حاولت في جلستها، أمس، أن تكسر حاجزي «الرعب والمحظور» مع مجموعة فتياتٍ بالغاتٍ، خسرت جولتها، أو أنّها ربحتها بصعوبة، بسبب غياب الذكور، فكانت مهمّة منال حسّون (مسار السياسات الشبابيّة) ورفيقتها رانيا السبع أعين تشجيعهنّ على البدء، عبر تذكّر تجارب جريئة مرّتا بها في لحظات المراهقة، أو اتّخاذ «إجراءات وقائيّة». لكن لا الإجراءات الوقائيّة ولا تجارب المدرّبات شجّعت غالبيّة الفتيات اللواتي اكتفين برسم ضحكةٍ خجولةٍ على شفاههنّ، أو التهرّب من التعليق بكلماتٍ باتت بديهيّة «ما بعرف، ما سامعة عنها»...أو الإجابة بكلماتٍ لا صلة لها بالجواب «يعني هيك وهيك، إنّو أكيد هيك»، كيف؟ لا أحد يدري سواهنّ.
في النشاط الأوّل، رأت منال أن تختار كلّ فتاة اسماً من الأسماء المكتوبة على اللوح الخشبي والتوجّه بسؤالٍ لصاحبة الاسم عن تجربةٍ سيّئة وأخرى جميلة مرّت بها. بعضهنّ سئلن وأجبن، والبعض الآخر اكتفين بالصمت أو الإجابة بالابتسامة المعهودة والنظرة التائهة، واللواتي أجبن حاولن الدخول في موضوع النشاط، مع بعض التهرب، فأجابت إحداهنّ عن صديقتها كما فضّلن، خوفاً من الحرج «أصعب تجربة عندما شاهد والداها شاباً يقبّل فتاة، فأمراها بالذهاب إلى النوم بعد إطفاء التلفاز»، وأخرى وصفت شعور صديقتها «عندما تحدّثت مع أوّل شاب»، والخوف الذي اعتراها من والديها ومنه، وغيرها من الإجابات اللواتي حاولن فيها تبرير بعض التصرّفات كأنّها خاطئة «مرّة شاب تحركش فيّي وأعطاني رقم هاتفه لكنّي مزّقتو... ومرّة شاب أهداني وردة فرددتها له... ومرّة كنت عم شوف مجلّة فطلع قدّامي صورة لشاب عم يبوس بنت، كبّيت المجلّة».
وفي النشاط الثاني، سعت منال ورانيا إلى الدخول في معاني بعض المصطلحات الجنسيّة «ما الذي تعرفنه عن الصحّة الجنسيّة؟»، فكانت معظم الإجابات بديهيّة غير ناضجة، سمعنها ربّما في «الصبحيّات، أو بعض الأفلام أو من صديقاتهنّ»، وفُسرت الصحّة الجنسيّة «اتنين بناموا مع بعض، اتنين بيجيبوا ولاد... العادة الشهريّة عند البنت... بيكبر صدر البنت... بيكتر الشعر بالجسم». أمّا «العادة السرّية»، فكانت الإجابة ابتسامة، باستثناء إجابة يتيمة عرّفتها إحداهنّ بأنّها «واحد وواحدة بيعملوا مع بعض وما بخبّروا حدا». الإجابة استفزّت إحدى الفتيات التي بادرت إلى سؤال منال «بس هيدي مش حرام؟، كيف يعني مع بعض».
في الجزء الأخير من النشاط، سألت منال إنّ «كنّ مهتمّات بالتعرّف أكثر إلى الصحة الجنسيّة، أو يرغبن في تلقّيها في المدرسة؟»، الجميع أجبن بضرورة تعلّم هذه المصطلحات في المناهج التربويّة، من الصف الخامس، لكنهن اشترطن أن تدرّسهنّ «فتاة» من دون «ذكور» لأنّهم «كتير بعلّقوا على هيدي الإشيا».
وفي هذا الإطار، لفتت رانيا السبع أعين إلى أنّ هدف «مسار السياسات الشبابيّة» «بناء إجماعٍ بين الشباب حول ضرورة العمل على هذا الموضوع وسماع آرائهم والأخذ بها في النشاطات المطلبية اللاحقة، والاستعانة بمصطلحاتهم في الإعلان التلفزيوني الذي سنعمل على إنجازه بعد استكمال الجولات». وأشارت إلى أنّ الإعلان يتوخّى «صدم الرأي العام بالمعنى الإيجابي وتشريع الصحّة الجنسيّة».