أنطوان سعد
تؤكد مصادر مطلعة قريبة من الحزب التقدمي الاشتراكي أن «لا ثوابت لدى النائب وليد جنبلاط، في المرحلة الحالية وإلى أجل غير مسمى، سوى أمر واحد هو العمل من أجل تحقيق الاستقرار في لبنان». وتضيف أن كل مساعيه في خلال الأشهر الأربعة أو الخمسة المقبلة سوف تصبّ في هذه الخانة. غير أن ذلك لا يعني بحسب هذه المصادر أن لرئيس كتلة نواب «اللقاء الديموقراطي» أي توجه للخروج عن تجمع قوى الرابع عشر من آذار بل على العكس «إنه مصرّ على جرّ الأكثرية إلى إبداء المزيد من إشارات الانفتاح والاستعداد للتوصل إلى نهاية مرحلة التخبط التي يعانيها اللبنانيون من الاتجاهات كلها».
وتعرب هذه المصادر عن اعتقادها بأن النائب جنبلاط لن يجد صعوبة كبرى في حمل حلفائه على إبداء بعض المرونة بالاستناد إلى تجربة إقناعهم بتبني ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية. فبعد أن كانت معارضة قوى الرابع عشر من آذار لهذا الأخير تراوح بين الرفض المبدئي لانتخاب عسكري رئيساً للجمهورية أو لتعديل الدستور لكي يستفيد منه شخص، وبين الخصومة الشخصية معه والاشتراط على المرشحين الجديين للرئاسة إقالته من قيادة الجيش للقبول بدعمهم، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى التهديد بالانسحاب من الأكثرية إذا هي بادرت إلى إعلان ترشيحها للعماد سليمان، يتبارى أركان الأكثرية في الدعوة إلى انتخاب قائد الجيش.
وتكشف هذه الأوساط أنه استغرق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي نحو أسبوع لإقناع حلفائه كافة بصوابية الخيار الانفتاحي الذي تبنّاه برمّته، وليس فقط إقناعهم باعتبار قائد الجيش مرشحاً توافقياً. وفي الواقع، تلاشت تقريباً خلال هذه الفترة أيضاً كل اتهامات الموالين له بالانقلاب عليهم أو بالتحضير لتبديل جذري في مواقفه يعيده إلى الأحضان السورية، مثلما حاول بعض غلاة الموالاة اتهامه. ولعل جنبلاط في موقعه الجديد بات أقرب إلى موقف البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، أول الحريصين على السيادة الوطنية واستقلال القرار الرسمي اللبناني، لكنه في الوقت نفسه شديد الحرص على الاستقرار الأمني والسياسي.
من هنا تأييد النائب جنبلاط من دون أي تحفظ للإصرار البطريركي وإلحاحه على إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن لأنه، على غرار سيد بكركي، يخشى كثيراً «استمرار الفراغ الذي لا أفق له ولا حدود ولا إطار واضحاً له، وليس بإمكان أحد أن يتكهن بشأن المنحى الذي يمكن أن تأخذه مجريات الأحداث في البلاد». لذلك تؤكد هذه المصادر استعداد رئيس «اللقاء الديموقراطي» «للتجاوب مع أية مبادرة معقولة تتقدم بها المعارضة من أجل إيجاد مخرج لأزمة التعديل الدستوري التي تتذرع بها بغية تعطيل البلاد وتحسين شروطها وزيادة مكاسبها ونفوذها في العهد الرئاسي المقبل».
وتعزو المصادر القريبة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاتجاهات التوافقية إلى جملة عوامل ضاغطة على المجتمع اللبناني عموماً، وعليه خصوصاً، تضاف إلى ما جرى تداوله في وسائل الإعلام عن الانطباعات التي كوّنها أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة. إذ إضافة إلى عدم وجود اتجاه في واشنطن للمساهمة في عملية إسقاط النظام القائم في سوريا وعدم إبداء استعداد لتجاوز الدعم الأميركي للبنان الحد المعنوي، إذا تمت عملية انتخاب رئيس الجمهورية بالنصف الزائد واحداً، يرى النائب وليد جنبلاط أن لا بد من إعادة النظر في السياسة المتبعة من جانب الأكثرية ومحاولة الوصول إلى توافق يفسح في المجال أمام انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت بسبب تفاقم أمرين على الأقل:
ـــــ الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون في كل المناطق والبيئات الطائفية والتي تحتاج إلى معالجة حكومية جذرية قبل أن تستفحل ويفوت الأوان. وفي هذا الإطار، تلفت مصادر مطلعة إلى أن معظم الأطراف السياسية توقفت ملياً وبشيء من الخشية والمسؤولية أمام المعلومات التي أفادت بأن التظاهرات قبل أيام في الضاحية الجنوبية جاءت رد فعل شعبياً عفوياً لا يد لحزب الله فيه.
ـــــ التأثير السلبي للجمود القائم على طبقة الشباب المثقف والأدمغة من كل الطوائف، مما يدفعها إلى هجرة البلاد موقتاً أو نهائياً. ولعل تأثير هذه الهجرة أدهى على المجموعات الطائفية اللبنانية التي تشكّل أقلية في منطقة الشرق الأدنى، وقد يكون هذا أكثر ما يسترعي انتباه وقلق البطريرك الماروني ونظيره
الدرزي.