عساف أبو رحال

عند الطرف الغربي لسهل مرجعيون في خراج بلدة القليعة، يقوم بناء قديم فوق منحدر يشرف على السهل، ويعود إلى وقف الروم الملكيين الكاثوليك التابع لأبرشية بانياس: إنه دير القديسة حنة.
دير تدلّ جدرانه وطرازه المعماري على تاريخه، فهو عاصر فترة الحكم العثماني. أنشئ عام 1886 بتمويل من قداسة الحبر الأعظم البابا ليون السادس عشر وإشراف المطران بطرس جريجيري، الذي أصبح في ما بعد بطريركاً. وكان الهدف من تأسيسه احتضان الأيتام، وتعليمهم فن الزراعة وتربية النحل، ولم يكن آنذاك من منشآت زراعية، ما دفع بجريجيري إلى الذهاب الى الأستانة، والحصول على فرمان من السلطان العثماني، يسمح له بإنشاء المؤسسة الاجتماعية.
وعن تاريخ الدير يقول المطران جاورجيوس حداد، راعي أبرشية بانياس إنه «دُشّن سنة 1892، وضمت المجموعة الأولى 45 طالباً، تعلموا العربية والفرنسية والحساب حتى الشهادة الابتدائية، بحضور تلامذة اكليريكيين. وجرى إرسال التلامذة المتفوقين منهم الى دير الصلاحية في القدس، حيث الآباء البيض. وكانت الحكومة الفرنسية آنذاك تؤمّن نفقات كهنة فرنسيين يعملون في الدير ويساعدون على تربية الأولاد. وخلال هذه الفترة ازدهر الدير: فزرعت الأراضي، وأنشئت مزرعة لتربية الأبقار، وأخرى للنحل. وكان الطلاب يهتمون بالزراعة، ويروونها من النبع الموجود أسفل المنحدر، بنقل المياه على ضهور الدوابّ». بقيت «المؤسسة» تعمل حتى أحداث 1925ـ 1926. في ذلك التاريخ، أُحرق الدير ونهب، فغادر الأولاد مع الكهنة وتوقف العمل فيه، لكن المطران بقي يتابع الإدارة، ويهتم بالشؤون الزراعية. أمّا الإهمال، فقد بدأ يهدد المباني التي تهدّم قسم من طابقها العلوي بعد زلزال 1956.
وتسعى الأبرشية اليوم إلى ترميم الدير. ويقول حداد «إن هذه الورشة تتطلب مبلغ مليون ونصف مليون دولار، ونحن بحاجة الى جهات مموّلة قادرة على متابعة العمل، وتعرف تقنيات ترميم الأماكن الدينية للحفاظ على معالمها التاريخية. وتعمل المطرانية جاهدة لترميم الدير ليكون محطة سياحة دينية خاصة، ويكون له اكتفاء ذاتي، إذ بدأ عام 2000 استصلاح مساحات واسعة من الأراضي التابعة للوقف، بالتعاون مع مؤسسات عالمية في الزراعات العضوية والأشجار المثمرة والورود». ويقصد الدير المؤمنون من مختلف أنحاء المنطقة، للتبرّك من الأيقونة العجائبية، في ال25 من شهر تموز ـــــ يونيو بالتزامن مع القدّاس الاحتفالي الذي يقام في ذكرى وفاة القديسة حنة.