جان عزيز
كما كان متوقعاً منذ يوم السبت الماضي، بادرت قوى الموالاة إلى الانقلاب على ما كان قد أنجز من اتفاقات وتعهدات. الانقلاب تمثل عملياً بإبلاغ سعد الحريري لنبيه بري في ساحة النجمة أمس تراجعه عن الالتزام السابق بالتمثيل الحكومي وفق نسب التمثيل النيابي، أو ما بات يعرف بالـ 55/45، أو صيغة 17/13 في إطار الحكومة الثلاثينية، كما بإعلان الحريري أن فريقه لا يمكن أن يعطي أي ضمانات موثقة لأي اتفاق يمكن أن يكون قد تم التوصل إليه، أو أن يتم التوصل إليه لاحقاً.
الانقلاب المذكور، أعاد الأمور فعلياً إلى نقطة ما تحت الصفر، وتحديداً إلى ما قبل إعلان قائد الجيش مرشحاً توافقياً في 28 تشرين الثاني الماضي. غير أن الغريب والمفارقة، أن أوساط الموالاة ترى في انقلاب الأمس خطوة جدية بحق إتمام الاستحقاق الرئاسي، كيف؟
مفتاح فهم هذا التناقض يكمن في أن فريق السلطة يرى منذ عامين ونيف أن كل المشكلة اللبنانية العالقة سببها ممانعة النظام السوري للتوجه الأميركي حياله، وبالتالي في لبنان. وبالتالي فهو يرى أن الحلحلة في علاقة واشنطن ـــــ دمشق، ضرورية من جهة، وكافية من جهة أخرى للحل اللبناني، ويفترض فريق السلطة في هذا السياق أن كل القوى اللبنانية غير موجودة على رقعة القرار. فكما يدرك هذا الفريق وضعيته البيدقية لدى الفريق الغربي، يسقط الوضعية نفسها على المعارضة لدى ما يسميه المحور السوري ـــــ الإيراني.
لكن لماذا بات الحل ممكناً، ودائماً استناداً إلى قراءة الموالاة للأمور، وكيف لانقلاب الحريري أمس أن يُسهم في ذلك؟
يوضح أحد الموالين أن الحركة المفصلية ونقطة الانعطاف بدأت في هذا السياق مع «ضربة المعلم» التي اعتمدتها الموالاة بترشيح العماد ميشال سليمان، إذ يؤكد السياسي الموالي أن إيصال قائد الجيش إلى الرئاسة، يشكل ـــــ وفق حسابات الموالاة ـــــ تسوية مثالية بين واشنطن ودمشق.
ويفتح السياسي الموالي عند هذه النقطة هلالين، ليرد على التساؤل عن قبول فريقه بهذا «التنازل السوري الكبير»، ليقول إن المسألة خاضعة لحسابين اثنين: الأول داخلي، عنوانه القضاء نهائياً على ميشال عون، عبر سلسلة من الخطوات المنطقية المتتالية، أولاها إزاحته عن الرئاسة، وثانيتها الرهان على التركيبة العملانية للمؤسسة العسكرية في ظل رئاسة سليمان من أجل قضم شعبية الجنرال السابق، وثالثتها الإطباق عليه في الانتخابات النيابية المقبلة، في قلب مارونستان نفسها، في جبيل وكسروان والمتنين، مع رهان على استمالة سليمان الرئيس للتقاطعات المسيحية العونية السورية، في الشمال والبقاع، بما يجعل من عون سنة 2009 مشروع تفليسة نيابية. أما الحساب الثاني فخارجي، وعنوانه التعهد الذي تقدمت به جهة حكومية خبيرة بالمقاولات السياسية، والذي يتضمن التزام التوفيق بين المشروع الرئاسي المقبل ونقاط التقاطع الأميركي ـــــ السوري.
يقفل السياسي الموالي هلاليه، ليعود إلى تطورات الأمس، فيقول، بعد أسبوعين على ترشيح سليمان، إنه بدا أن المشروع لم ينطلق، وبدا أن العقدة تمثلت بعون، لذلك وضع عرابو الحل الخطة المضادة الآتية:
1ـــــ سلسلة اتصالات دولية مع دمشق، في موسكو وأنقرة وباريس، لرفع مستوى لهجة الترغيب الغربي لسوريا، وتشجيعها على السير بالحل اللبناني الملائم جداً لها نظرياً.
2ـــــ العمل على تصوير الحالة المسيحية مؤيدة للمشروع، بمعزل عن موقف الرابية، وهو ما تضمن تحذير بكركي عبر كلام ولش، وتحذير عون عبر قرار «العزل»، إضافة إلى إشاعة موجة من الشائعات الإعلامية والبوليسية عن تبدل في مناخات المؤسسة العسكرية، وانقلاب في مزاج قيادتها على خلفية اتهام عون بعرقلة وصول سليمان إلى الرئاسة، وهي الموجة التي استكملت بالحديث عن ترجيح وصول «قواتي» إلى قيادة الجيش نتيجةً لهذا التبدل الجذري.
3ـــــ الضغط بقسوة على نبيه بري لفك مفتاح ساحة النجمة من سلسلة الموقف المعارض المحكمة.
4ـــــ إيفاد عمر سليمان إلى دمشق لاستكمال الحصار المضروب على المعارضين اللبنانيين، في استعادة للدور الذي تؤديه القاهرة على الحدود مع غزة.
أما كيف لخطوة التراجع عن تعهد «الحكومة النسبية» أن تتوج هذه الخطة، فيقول الموالي، إن إعلان الحريري رفضه إعطاء المعارضة، بعدما أصبحت بقيادة عون، 13 وزيراً، هو رسالة ضمنية إلى سوريا نفسها، بالسماح لها بأن تستعيد حصة في حكومة العهد الأولى، على حساب المعارضة نفسها، وخصوصاً أن عدداً من الشخصيات كانت قد توزعت في حكومة التمديد الأولى لإميل لحود، بدأت تعلن في مجالسها الخاصة أن عودتها إلى السلطة باتت محسومة ومؤكدة. هكذا يفترض لمجموعة هذه الحوافز والإغراءات أن تكون كافية لإقناع دمشق. هل تنجح الخطة؟ حتماً يقول قطب معارض، فهي ستنجح في حسم مسألة واحدة، وهي من هو الخاضع للإدارة السورية في لبنان، إن لم يكن بالفعل فبالقوة، والنية.
أما في ما عدا ذلك، فالفراغ مستمر ومستدام، حتى الاتفاق مع الرابية أو إسقاطها.