strong>يتزامن يوم الشرطة العربية مع ارتفاع بنسبة الانتقادات التي تتعرّض لها قوى الأمن الداخلي من المواطنين من مختلف المناطق على خلفية إخفاقها في حفظ الأمن وحماية الناس من الهجمات الإرهابية... وحتى تنظيم السير
أحيت أمس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي «يوم الشرطة العربية» وهو اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر الأول لقادة الشرطة والأمن العرب في مدينة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة قبل خمسة وثلاثين عاماً، فأقيمت احتفالات في بعض ثكن قوى الأمن في بيروت والمناطق، تم خلالها أداء مراسيم التكريم للعلم اللبناني، وتلاوة رسالة الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد بن علي كومان. ويلاحظ أن قوى الأمن الداخلي لا تعمل وفقاً لمضمون رسالة كومان، بل تبتعد مؤسسة الشرطة الرئيسية في لبنان عن توصياته مثلما تبتعد عن مضمون خطاب مديرها العام عند تسلمه مهماته عام 2005. فجاء في رسالة كومان حرفياً «إن القسط الأكبر من مسؤولية تعزيز العلاقة بين الشرطة والمواطنين يقع على عاتق رجال الشرطة أنفسهم الذين يجب عليهم أن يعملوا على تحسين صورة رجل الأمن لدى المواطن بالاحترام التام لحقوق الإنسان وكرامته عند إنفاذ القانون والتحلّي باللطف واللياقة أثناء الممارسة الميدانية للعمل الشرطي دون الإخلال بالواجبات، والتفاني في خدمة الناس والمسارعة إلى تسهيل أمورهم وإرشادهم لتحقيق مصالحهم حتى يتأكد البعد المجتمعي في الرسالة الشرطية». مخالفة لرسالة كومان، سُجل قيام عناصر قوى الأمن الداخلي خلال الأشهر السابقة بتجاوزات للقانون ولقواعد الأخلاق العامة، إذ حكم القضاء على عناصر من الشرطة بجرم تعذيب موقوفين وضربهم وإيذائهم وإذلالهم، وادّعى القضاء على 7 عسكريين بجرم إطلاق النار والتسبب بوفاة طفلين وإصابة آخر في منطقة الرمل العالي، وعلى عدد من العناصر بتأليف عصابة تقوم بأعمال سلب. كذلك سجلت عشرات حوادث اعتداء عناصر قوى الأمن الداخلي على مواطنين وعلى أمنهم وسلامتهم.
يقول كومان في رسالته «إن التنظيمات الإجرامية تجد ضالتها في الأحياء الفقيرة من وطننا العربي التي تؤلف مرتعاً خصباً للانحراف والانزلاق في مهاوي الجريمة بسبب معاناة أبناء هذه الفئات من الظروف المعيشية البائسة وبسبب غياب الوعي الديني الصحيح، حيث يسهل على هذه التنظيمات الإجرامية استقطابهم وتجنيدهم في صفوفها واستغلالهم أبشع استغلال في عمليات إجرامية تودي بحياتهم وتسبب المآسي لمجتمعاتهم». لم تقم الدولة اللبنانية بجهود حثيثة لمعالجة المشاكل التي تحدّث عنها كومان، بل فضّلت التركيز على اتهام دولة عربية مجاورة بالجرائم الإرهابية التي طالت أمن البلاد، ورأى المدير العام لقوى الأمن الداخلي أن لا وجود لتنظيم «القاعدة» في لبنان، بل «قاعدة مزوّرة» (مقابلة مع «الأخبار» في 5 كانون الثاني 2007).
وركّز كومان في رسالته على «أهمية معالجة الثغر التي تستفيد منها عصابات الإجرام وضرورة التحرك السريع والفعال لوقف النشاطات الإجرامية والسيطرة عليها عن طريق القضاء على بؤر الفقر والجهل والحرمان، وتعزيز الوازع الديني وتركيز الوعي الحضاري وتوفير الكوادر البشرية الأمنية المدربة والمؤهلة، وتدعيم الإمكانات المادية والأجهزة التقنية الحديثة لدى الأجهزة، ومواكبة القوانين والتشريعات لأنماط الجريمة المستحدثة والمنظمة». لكن قوى الأمن لم تطوّر حتى اليوم، بشكل مناسب، قدراتها «التقنية الحديثة» رغم الدعم الذي تحظى به من الحكومة ووزير الداخلية، وهو ما يوجب على الحكومة الطلب من لجنة التحقيق الدولية المستقلة المساعدة التقنية في رفع الأدلة الجنائية في مسرح الجرائم، وكان آخر طلب قد صدر إثر جريمة اغتيال اللواء الشهيد فرنسوا الحاج.
ولم يتردّد كومان في اتهام جهات رسمية في الدول العربية بـ«تسهيل الأنشطة الإجرامية» إذ قال «أصبح التعامل الأمني مع الجريمة يزداد صعوبة، وخاصة بسبب بعض ضعاف النفوس ممن يشغلون مواقع ومراكز مهمة في الدولة، ويستغلّون مواقعهم في تسهيل هذه الأنشطة الإجرامية والتستر عليها مقابل مكاسب مادية غير عابئين بما يحيق بأوطانهم من أضرار مادية وبشرية وما ينجم عن جرائمهم من مآس إنسانية واجتماعية».
ولم يغفل الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب دور المواطنين، فشدّد في رسالته على «مسؤولية الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الأمن وحشد كل الجهود والطاقات لمواجهة الجريمة والتحديات الأمنية، والعمل على مؤازرة أفراد الشرطة وتسهيل مهماتهم ودورهم في التصدي للجريمة، وخلق أجواء الثقة المتبادلة بين المواطن ورجل الأمن للوصول إلى تعاون مثمر وبنّاء في هذا الصدد، وهذا أمر لا يتحقق إلا إذا تمت تنمية وتعزيز شعور الفرد بمسؤوليته تجاه أمن مجتمعه، وتركّز لديه أيضاً الشعور الفردي بمسؤوليته تجاه أمن مجتمعه، وأن الشرطة تقوم بمهمات اجتماعية، وأن دورها لا ينحصر فقط في تطبيق القانون». وكانت قوى الأمن قد أطلقت نداء لتعاون المواطنين مع الشرطة للمساعدة على مكافحة الجريمة، لكن استمرار تعاطي بعض الضباط في قوى الأمن السياسة، مخالفين قانون تنظيم قوى الأمن، شوّه سمعة المؤسسة.
(الأخبار)