المتن ــ رندلى جبور
زحمةٌ تحار من شدّتها في أسواق المتن الساحلية، فتسأل عما إذا كانت «حركة العيد» أم هي فوضى السير والطرقات؟ والإجابة، كأن أصحاب المحال التجارية، وخصوصاً الألبسة منها، أرادوها «فشة خلق» ليعبّروا عن «قرفهم» من الوضع السياسي الذي جعل من هذه السنة أسوأ من ثلاثين عاماً حرباً.
زينة العيد من أشجار مضاءة وملائكة يبتسمون في سماء الطرقات وأنوار ملوّنة تلمع فرحاً بين ضبيه والدورة مروراً بإنطلياس وجل الديب والزلقا وجديدة المتن، هي وحدها تخبر بأنه «شهر الميلاد» وبأن سنة جديدة «على الأبواب». فحركة المتجوّلين في السوق «بلا بركة»، والسياسة حصلت هذه المرة على إجماع وطني يؤكد أنها سبب التدهور المعيشي الحاصل.
«كرمالنا لَوَرا» رددها كثيرون. والمبيع، مقارنة مع السنوات الماضية في مثل هذه الفترة من العام، «صفر»، وبدلاً من التراجع خطوة واحدة، التراجع «خطوتان وأكثر». وبسخرية تقول امرأة سبعينية تملك محلاً لبيع ثياب الأطفال: «ليكي المحل مليان سما الله والناس ناطرين بالدور».
ضحكتها لم تخف الغصة التي أعادتها إلى سنيّ الحرب، لتأسف على أن «أيام الأحداث كان فيها بحبوحة» ولم تشهد طيلة حياتها ضيقة معيشية كالتي تشعر بها اليوم.
والملاحظة التي يسجلها أحد البائعين، والتي يبدو أنها لم تعد تحتاج إلى خبير اقتصادي للإضاءة عليها، هي أن الشراء يقتصر على طبقة معينة دون غيرها. «فالغني يشتري لكن الفقير يخبِّئ قرشه الأبيض ليومه الأسود» الذي بات يتخوّف من حلوله قريباً بسبب الأوضاع القائمة.
والسؤال البديهي بات: «شو بيصير سعرو بالصولد»، على رغم أن الأعياد لا تنتظر الحسومات، «واللي قبض مضطر يشتري»، ولكن.
تناقض كبير بين «المتفرجين» على واجهات المحال وصناديق المحاسبة داخلها، ومن يشاهد «العجقة» الغريبة في شوارع أسواق المتن لا يتوقع مثل هذا الإجماع على أن تراجعاً كبيراً حصل هذا العام «الأسوأ منذ عقود»، «والثلاثين ألف ليرة صار بينحسَبْلا ألف حساب».
ليسوا سياسيين ولا متعاطين في الشأن العام، لكن تجار المتن يتكلمون جميعاً في السياسة فور سؤالهم عن «حركة السوق» التي ربطوها بالانقسام «بين الكبار». والحل «يفلّو ع بيوتن» وليتركوا الوطن والمواطنين بسلام «لأنهم قرفونا».
«بابا نويل» يستقبل ضيوف بعض المحال لكنه لا يقدّم دائماً الهدية المناسبة لجهة الأسعار، وقليلون من المتسوّقين الكثر هم الذين يخرجون من المحال وفي يدهم أكياس ممهورة باسمها، ويفضّل الباقي «إكمال الجولة بلكي في إشيا أرخص».
وعلى الرغم من هذا الإجماع الذي لم يكن يراد له أن يكون سوداوياً إلى هذا الحد، إلا أن «اللبناني لا يموت» ويصرّ على العيد بالمتوفر «وكل سنة ولبنان أفضل من هذه السنة».