strong> آمال خليل
تغيب زينة الميلاد عن بلدتي دردغيا والنفاخية المسيحيتين في قضاء صور، فيما تستقبل كنيسة دردغيا، التي تحتفل بمئويتها بعد ثلاث سنوات، المصلّين من البلدتين.
هكذا يجمع القداس 19 عائلة من أصل 800 في دردغيا، و7 من أصل 100 في النفاخية لإحياء الميلاد والاستماع إلى عظة الأب وليم نخلة الذي يوصيهم في عظته بالمحبة الخالصة والوحدة الحقيقية، ويدعوهم في الختام إلى حضور مجلس عزاء عن روح أحد القاطنين في البلدة.

وحشة البلدة

دردغيا، قرية مسيحية وحيدة في المنطقة كان للإمام موسى الصدر حضور قوي ومستمر فيها. أما اليوم فلا يقيم فيها إلا 19 عائلة مسيحية من أصل 800 مسجلة في لوائح الشطب، لتتحوّل إلى أزقة للفراغ والدجاج والقطط الشاردة.
يعود تاريخها إلى نحو 300 عام، وأنشئت على أيدي عائلتي رعد وخوري اللتين قدمتا من سوريا قبل أن يقطن فيها أحد الكهنة الذي زوّج بناته السبع لأبناء البلدة، فتكاثر المسيحيون فيها حتى اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975. ويذكر الأب نخلة أنه في ذلك التاريخ «اتّخذ معظم السكان ممن يرتبطون ببيروت مهنياً وسكنياً قراراً بالاستقرار دوماً فيها أو الهجرة إلى خارج لبنان».
ومنذ عام 1989، وتحديداً خلال حرب الإلغاء، بدأ البعض بالعودة تدريجاً إلى دردغيا إلى أن بلغ عدد القاطنين فيها من المسيحيين نحو 19 عائلة ترتفع إلى 25 في نهاية الأسبوع والصيف و49 في الأعياد والمناسبات. إذ يستقرّ أكثر من نصف عائلاتها في المهجر منذ عشرات السنين، فيما يستقرّ الباقون في بيروت وصور.
ويقرّ الأهالي أنفسهم بأن الوحشة التي تسود أحياء القرية التراثية «مبالغ فيها» من جانب سكّانها في نهارها الهادئ وليلها الذي ينام باكراً جداً بخلاف نمط حياتهم الاعتيادي وثقافتهم التي يمارسونها بحرية أكثر بعيداً البلدة ومحيطها في صور وبيروت.
تحظى دردغيا بانتماء وزير الطاقة الأميركي السابق سبنسر أبراهام رزق إليها، وكانت شقيقته قد زارت البلدة قبل 3 سنوات، مثلما زارها رئيس معهد اللاهوت في ألمانيا الأرشمندريت بولس خوري.
وكان يمكن أن تحظى البلدة أيضاً بانبعاث الحياة فيها من تحت رماد أزقتها قبل سنتين عندما أعلن أحد أبنائها المغتربين عن نيته إعادة ترميم بيوتها القديمة وكنيستها التي تحتفل بمئويتها بعد 3 سنوات، خصوصاً في ظل قلة حيلة أبنائها المقيمين وغيابها عن خريطة وزارة الثقافة اللبنانية. إلا أن غياب المنسّق المناسب بين المغترب الذي لا يزور القرية كثيراً، وفاعليات البلدة، ضيّع النية وضلّت الحياة طريقها إلى دردغيا التي لا تلمح فيها شباناً، فيما الطفولة تطلع من مخبئها المتواضع على شرف المسيح في ميلاده وقيامته.

كنيسة توما المهجورة

في عام 1972 ارتفعت صلوات الميلاد الأخيرة إلى سماء مزرعة النفّاخية من كنيسة توما الرسول المهجورة، مثل بيوتها القليلة بعد أن انسحب أهلها منها طوعاً واحداً تلو الآخر إلى صيدا وبيروت والمهجر وبقي منهم 7 عائلات فقط من أصل 100 شخص مسجلين في لوائح الشطب.
هكذا لم يعد في النفاخية، التي يصلها قاصدها عبر طريق فرعية في نواحي صريفا، من يروي للزائرين عن أبنائها: الأديب جرجي زيدان والطبيب سليم زيدان والمحامي أمين زيدان قبل هجرتهم إلى مصر ودمشق، ولا من يتابع قضية إعادة ترميم الكنيسة المغلقة على خرابها منذ ذلك التاريخ.
وفي انتظار هذا الترميم الذي لم يتم إلى اليوم، يلتئم قلائل النفاخية ودردغيا معاً في الأعياد لدى رعاية كاهن دردغيا. وفي كلّ الأحوال، لا يحتمل عوز القريتين المهملتين أي زينة أو مظاهر للعيد الذي يمرّ ثقيلاً على جيوب المزارعين المتواضعين نفوسهم. فهؤلاء يجبرهم فقرهم على البقاء في ديارهم والرضا بالنصيب، ويمنعهم من العيش بعيداً في المدن أو المهجر.



strong>الأب وليم نخلة

في عظة الميلاد يوصي كاهن رعية دردغيا والنفاخية الأب وليم نخلة تحت نور المسيح بأن «يحمي المقاومة وجبل عامل ويهدي كل ذي دين إلى الله».
تأتي هذه الوصية لتتطابق مع ما يعرفه أبناء المنطقة عن نخلة (45 عاماً) بأنه رجل دين المسيحيين والمسلمين والمقاومين على حدّ سواء، وبأنه العلامة الفارقة التي تبعث بعض الضوضاء في الأزقة النائمة عندما يدخل في جدال سياسي أو عقائدي على سبيل المثال مع بعض جنود اليونيفيل أو ممثلي الهيئات الدولية أو من يختلفون معه في المبادئ القومية والثورية التي لا يزيح عنها.
ويؤكد الأب نخلة أن أكثر ما يفتخر به خلال سنوات خدمته الست في دردغيا قدرته على إقناع الجنود الإيطاليين الذين يصلّون معه بأن «الآخر المسلم طيب ومضياف وإنساني، وأن اسرائيل عدوة، والجنوبيون الذين ينحدر منهم حزب الله المقاوم ليسوا إرهابيين أو معتدين بل هم مدافعون عن أرضهم وحقوقهم». لكنه يقرّ بأنه لم يفلح في مهمته هذه أحياناً في عقر داره في قضاء جزين الذي تركه وسواه لينتسب إلى مطرانية صور للروم الكاثوليك ليخدم المسيح في حمى جبل عامل.