إبل السقي ـ «الأخبار»
يعبر أكثر من مليون طائر سنوياً حمى بلدة إبل السقي التي صنّفت الممرّ السادس عالمياً للطيور المهاجرة. ليست هذه ميزة إبل السقي الوحيدة، فهي واحدة من قرى قليلة لا تزال تحتفظ بالكثير من خصائص القرية القديمة.
على يمين العابر من مدينة مرجعيون إلى منطقة حاصبيا، مشهد أخضر لافت ومتميز لبلدة ترتفع نحو 650 متراً عن سطح البحر، يعلوها حرج صنوبري كبير فوق بيوت يطغى عليها الطابع المعماري القديم. ويشمخ فوقها جبل الشيخ المكلّل بالثلج الأبيض خلف سحاب خفيف متناثر.
مشهد البلدة المتميّز من الخارج يفوقه تميّزاً مدخلها وأزقتها القديمة. فالمدخل واسع ومعبّد تحيط به أشجار الكينا من جانبيه مع أرصفة جميلة ونظيفة تدل على اعتناء بلدي منظم وثقافة بيئية رائدة للأهالي.
حمى الطيور المهاجرة أكثر ما تشتهر به البلدة، التي يجعلها موقعها الجغرافي ممرّاً أساسياً للطيور المهاجرة، حيث صنفت الممر السادس عالمياً للطيور المهاجرةإذ لا يزال ما يزيد على مليون طائر يمرّ بانتظام عبر هذا الممرّ الرئيسي منذ ملايين السنين. ونظراً لطبيعة الأرض الخلابة، فإن هذه الطيور تتجمع فوق بعض هذه المناطق في أعداد هائلة (ما يعرف بمواقع عنق الزجاجة)، وذلك لاعتمادها على التيارات الهوائية المتكونة فوق الأودية. من هنا تأتي الأهمية العالمية لمنطقة وادي الحاصباني والليطاني و«حمى ابل السقي» التي تؤلف «احدى بوابات الشرق والغرب الى أفريقيا»، بحسب ما ذكر في منشور خاص بالطيور المحلّقة في لبنان والتي تعبر حمى ابل السقي.
هذا الواقع جعل الجمعيات الدولية والمحلية، إضافة الى المجلس البلدي، يهتمّون بها اهتماماً خاصاً للحفاظ عليها ممرّاً دائماً للطيور المهاجرة. فالصيد ممنوع على الإطلاق، وأنشئت بركة مياه (تعرّضت للقصف أثناء حرب تموز) وسط حرج الصنوبر الكبير لجذب الطيور واستجمامهم. وتنوي «جمعية حماية الطبيعة» في لبنان القيام بنشاطات توعية بيئية وتنظيم الصيد البري لخدمة القطاع السياحي الذي من شأنه خلق فرص عمل جديدة بالشراكة مع وزارتي السياحة والبيئة.
بالقرب من حمى الطيور، أنشأت جمعية «مرسي كور» قبل ثلاث سنوات، بالتعاون مع المجلس البلدي لإبل السقي، «بيت الفلاح» القديم، الذي يمثل نمط الحياة القديم لأبناء ابل السقي، وهو عبارة عن منزل حجري، مسقوف بالطين من الخارج، والقصب الخشبي من الداخل، وضعت داخله أغلب الأدوات المنزلية التي كانت تستعمل سابقاً. وهذا المنزل هو شبيه بمنزل سابق كان يقبع مكانه لعشرات السنين، هدمه في الثمانينيات العدو الإسرائيلي.
وقد قامت بعض الجمعيات أيضاً ببناء قاعة للاجتماعات، وأخرى لمكتبة عامة، بالقرب من الحمى. ومن أهم الطيور التي تقصد الحمى أثناء عبورها، طيور الإوز والبطّ وعقاب البادية وباشق العصافير وحوام النحل واللقلق الأبيض والسمن والفرّي وغيرها.
«المجالس البلدية المتعاقبة وأبناء البلدة اهتموا بتوسيع الطرقات والمحافظة على الأشجار المزروعة، فالناس هنا يهتمون بالطبيعة والبيئة»، يقول مختار البلدة سليمان الجذع، ويضيف «الكتيبة الإسبانية شقّت طريقاً زراعية توصل إلى الحرج لتسهيل عملية إطفاء الحرائق إن وقعت».
تشتهر البلدة أيضاً بوفرة مياهها العذبة، فإضافة إلى نبع إبل السقي الشهير، ثمة أربع عيون ماء و15 بئراً ارتوازية أقامتها الدولة وأبناء البلدة، تستخدم منها ثلاث آبار للزراعة وواحدة للشفة وأخرى لسقاية أبناء القرى والبلدات المجاورة.
ويقول المختار الجذع إن «المقيمين هنا أصبحوا يعتمدون على الوظائف العامة والتجارة وبعض المهن، إضافة إلى أكثر من 70 موظفاً يعملون لدى قوات اليونيفيل، أما الزراعة فهي للمتعاقدين ولمن يجد وقتاً للفراغ أو التسلية».



موقع «القبيبة» وأساطيره

في البلدة ما يعرف بـ«القبيبة»، وهي رابية تشرف على نبع البلدة لجهة الجنوب وتطلّ على فلسطين. وقد أجمع علماء الآثار على أنها كانت مأهولة منذ أيام الرومان، الاّ أنه لم يكشف عن هوية سكّان تلك الحقبة وحضارتهم إلى اليوم. وتدل الحفريات على أنها كانت قرية يملكها ملك، عامرة بمنازلها وأسواقها ومحترفاتها، ومعابدها الوثنية.
وممّا قيل عنها، إن غصن الزيتون الذي حملته الحمامة يوم طوفان نوح، أخذ من زيتون «القبيبة» بشارةً للنجاة من الغرق، أما «جنيّات القبيبة اللواتي ما زلن يقمن فيها إلى اليوم، فلهن صداهن في «محافر وادي العين» ومغاوره الدهرية. ويحرس عبد أسود كنوزها المرصودة عند مدخل مغارتها التي تحتوي الكنوز الدفينة وتظلّلها شجرة الجوز العاتية في قدمها: إنها مغارة الملك التي يحرسها جنيّان جسماهما مطليان بزيت الكافور ومدججان بالسلاح، وتحت أقدامهما بئر من ذهب» وفق ما نشر في موقع الجيش اللبناني.