جبيل ـ جوانّا عازار
يعيش التلميذ جان شهيد طفولته حتى الرمق الأخير فيلعب بالطابة و«يتشيطن» مع أصحابه قبل الظهر، فيما يتحول ليلاً إلى رجل مسؤول يجالس المطربين الكبار ويتمرن على الأغاني ويتذوق الألحان ويناقش فيها. يرغب جان في احتراف الغناء مستنداً إلى دعم الأهل والأصدقاء

حين تسمعه يغنّي أم كلثوم، جورج وسوف والأغاني الطربيّة القديمة، ويعزف على آلتي العود والأورغ، تظنّه شابّاً ناضجاً متخصّصاً في الموسيقى و«عتيقاً» في المهنة. لكن جان شهيد (12 عاماً) لا يزال يتابع دروسه في صف السابع أساسي على مقاعد مدرسة عمشيت الرسميّة.
دخل جان غمار عالم الفنّ صدفة وفي سنّ مبكرة جدّاً، فمنذ سنة وشهرين غنّى للمرّة الأولى بمناسبة زفاف أخته حيث أثار إعجاب الموجودين، وتنبّه إليه عازف الأورغ آنذاك، واكتشف موهبته، لتبدأ حينها مسيرته الفنيّة. وبعدما كان يغنّي في المدرسة مقاطع صغيرة من أغان وتراتيل، بات له مدير أعمال يهتمّ به، وأصبح معروفاً بـ«مجد».
غنّى مجد في مطعم في جونيه حيث وقّع عقداً مع صاحب المطعم، وكان له أن يغنّي أغنية خاصّة به لكنه فسخ العقد بعدما واجه بعض المشاكل، وراح يغنّي في بعض الملاهي اللّيليّة والمطاعم في جبيل والبترون. كذلك حلّ ضيفاً في نهاية العام الدراسي الماضي على جامعة الروح القدس ـــــ الكسليك من دون أن يسجّل أغنيته الخاصّة. يعترف مجد بأنّه لم يدرس أصول الغناء، حتّى أنّه لم يتعلّم العزف على الأورغ، وإن كان يجد لذّة في ذلك. وإذ تلقّى دروساً في العزف على العود لمدّة قصيرة، اضطرّ إلى التوقّف بسبب المسافة الطويلة التي كان يجتازها ليصل إلى الأستاذ.
يذهب ابن الاثني عشر عاماً مثل رفاقه إلى المدرسة، ينجز دروسه في المنزل لنحو ساعتين من الوقت ليتفرّغ بعدها لحفظ الأغاني بعد أن يستمع إليها على الكمبيوتر، ممرناً صوته على الأغاني الطربيّة والشعبيّة. يحظى مجد بدعم والده فرانسوا الذي يجيد العزف على العود والذي كان يحلم في صغره بدخول الفنّ قبل أن يصطدم برفض أهله للأمر. كذلك فإنّ جورج الذي يغني منذ 3 سنوات، يدعم شقيقه مجد، فيما ترافقه والدته سلام في معظم حفلاته أينما كانت، لكن يبقى الهمّ الأساسي للعائلة «أن يتابع جان دراسته ليتخصّص بعدها في الفنّ ويتفرّغ له». من جهته، يبدي مجد رغبته في استكمال دراسته ليذهب بعدها إلى الكونسرفاتوار ويتخصّص في الغناء، وهو يفتخر بعلاماته الجيّدة في المواد الدراسية ومنها مادّة التاريخ التي يأخذ عليها عشرين على عشرين. وتقول والدته: «لا أخاف عليه فهو شاطر ويثابر للتقدّم متحدّياً نفسه ومطوّراً إمكاناته باستمرار». ويتحدث الوالد عن قدرة جان على التفنّن بصوته حيث يزيد من العُرب في الأغاني الطربيّة، ويبقى الأهمّ أن يتحصّن بعلمه «لأنّ الثقافة أساسيّة للفنّان»، ليشارك بعدها في برامج فنيّة متخصّصة ويتفرّغ للغناء.
لكن مجد يواجه بعض الصعوبات «لأنو بغنّي بالنوادي اللّيلية بنام من العاشرة مساء حتّى الواحدة من بعد منتصف اللّيل لغنّي بعدها وبرجع روح على المدرسة». يعتني مجد بصوته، فلا يتناول المشروبات مع الثلج وينتبه إلى طريقة لباسه وخصوصاً في فصل الشتاء. ثم إنّ المشاكل لم تثبط من عزيمته على المضي في طريق الفنّ «ما بخاف رغم الدعايات اللي بتطلع عن الوسط الفنّي، لأنّو اللّه بيحضنّي وبيحميني». وعلى رغم أنّ الفن سرق طفولة مجد، لا يزال اللعب في الكرة على الطريق أمام منزله في بلدة عمشيت يستهويه «فشوطتي قويّة، وضيعت كتير طابات»، كذلك هو يحبّ مشاهدة التلفزيون في أوقات فراغه، فضلاً عن العزف على الأورغ ومحاولته العزف على آلة القانون التي يعشقها. فهو يقسم وقته ويقول «للّعب وقتو وللغنا وقتو».
تسنّى لمجد أن يستمع له عدد من المطربين الذين أثنوا على صوته الذي يلامس طبقات عالية، ونصحه البعض بالتروي ليدخل إلى عالم الغناء رسميّاً في عمر الـ15 عاماً، والاستعداد قبل هذه المدّة ليدخل قويّاً إلى الفنّ. ويواظب مجد على حفظ الأغاني، وقد حفظ حتّى الآن نحو ثمانين أغنية ما بين طربيّة وشعبيّة، وهو يستطيع الغناء لفترة طويلة، ويقول بفخر «غنّيت مرّة لساعتين ونصف من الوقت بشكل متواصل، ارتحت بعدها وعدت وغنّيت لساعة ونصف». وتبقى الأغنية المفضّلة لديه «كلّ اللي لاموني» ويبقى حلمه أن يكمل مشواره في طريق الفنّ.