strong> عفيف دياب
• خيانة معلنة لمواقفهما وجمهورٌ فاقدُ الذاكرة

«صفّقت» جماهير الموالاة والمعارضة لخطابات قادة المواجهة وبياناتهم التي تبدلت. فمواقف قوى الصراع المحلي كانت تطلق صباحاً وتمحى ليلاً، إلى أن أُصيبت الجماهير بفقدان ذاكرة منعها من محاسبة من خان شعاراته... وشعاراتها!

لم تنجح قوى الموالاة وأخواتها في المعارضة في رسم آجال معلومة لمطالبهما وصراعهما على السلطة. فمواقف قوى الصراع المحلي تعرضت لمد وجزر وفق مقتضيات المواجهة اليومية والشروط التي لم تخل من دعم خارجي افتخر به أقطاب الموالاة والمعارضة على حد سواء وساعد في رفع حدة الانقسام الأهلي ـــــ الطائفي ـــــ المذهبي، وصولاً إلى خيانة الموالاة والمعارضة لمواقفهما المعلنة من دون العودة إلى جمهور سمته الأساسية أنه يتمتع بذاكرة ضعيفة وينفذ غرائزياً ما يطلبه زعماؤه من دون مناقشة أو معرفة الأهداف التي من أجلها يخوض المواجهة!
قراءة لمواقف الموالاة وأخواتها في المعارضة أظهرت أن العناد في ممارسة الاستئثار بالسلطة لدى الموالاة وعناد المعارضة في مطلب الشراكة وإباحة استخدام كل أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة التي أدت إلى اقتتال محدود أدى إلى سقوط قتلى وجرحى دخلوا في طي النسيان، لم يؤديا إلا إلى التراجع تلو التراجع وصولاً إلى تغيير بنك الأهداف وسبل تحقيقها، مع تجاهل تام وواضح لتراكم النتائج السلبية التي خلفتها هذه التراجعات.
ويقول أحد نواب الأكثرية في قراءة نقدية إنه «لا يحق لأي فريق في لبنان أن يدّعي أنه يمثل الشعب اللبناني، أو أنه الشعب اللبناني، فكلانا (الموالاة والمعارضة) أُصبنا بخسائر كبيرة، وحرب الاستنزاف التي خضناها على جميع المحاور لم تؤدي إلا إلى انتكاسات وخيانة واضحة لجمهورنا الذي بدأ يفقد الثقة بنا وبمشروعنا».
اعتراف النائب الأكثري، أو ما اصطلح على تسميته نقداً ذاتياً لتجربة سنة كاملة، يقابله في المنحنى الآخر لدى المعارضة النقد الذاتي نفسه، لكن بحدة أقل. ويقول أحد المسؤولين الشباب في تيار معارض: «نعم، لقد تراجعنا كثيراً عن مواقف أطلقناها، وربما هذا التراجع هو ما أدى إلى تمسك فريق السلطة بمواقفه اعتقاداً منه أن تراجعنا يعطيه انتصارات، لكننا اليوم عدنا إلى التماسك بعدما شابت المعارضة في فترات سابقة خلافات في وجهات النظر وآليات تحقيق مطالبنا وحقنا في المشاركة بالسلطة وفق رؤيتنا».
ويوضح المسؤول المعارض أن «أهل الموالاة هم الذين تراجعوا عن كل شعاراتهم ومواقفهم، بينما مطالب الشراكة وحكومة الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق ما زالت مرفوعة ولم نتراجع عنها».
وإذ لا يخفي تراجع المعارضة عن مطلب حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت في مبادرة الرئيس بري في الأول من آب الماضي ومن ثم العودة إلى هذا المطلب، فإنه يجد في التراجع ثم العودة أنهما جاءا «وفق تغير المعطيات. فحين أطلقت المبادرة لم تلتزم بها الموالاة». ولا يخفي أيضاً تراجع فريقه نهائياً عن «مطلب الانتخابات النيابية المبكرة» بعدما مني مشروع تشكيل حكومة ثانية بفشل ذريع «نتيجة حسابات إقليمية»، على حد تعبيره.
هذا الكلام يرفضه النائب الموالي الذي يجد في عودة المعارضة إلى «الثلث الضامن» و«سلة تفاهمات سياسية» محاولة «للعرقلة وإعاقة الحل. نحن تنازلنا كثيراً وتبدلت مواقفنا نزولاً صيانة لوحدة البلد، وأدعو المعارضة إلى قراءة مواقف النائب وليد جنبلاط الذي عبّر عن رغبتنا في الحفاظ على البلد من خلال التراجع عن أهداف كثيرة كنا نستطيع تحقيقها لو أردنا ذلك»!
التراجع عن أهداف كثيرة سجل رقماً قياسياً عند النائب جنبلاط، فرئيس الحزب الاشتراكي كان أكثر تشدداً في فريقه، إلى أن أصبح اليوم الأكثر هدوءاً نزولاً عند رغبة التوافق والانفتاح على الطرف الآخر في المعارضة. ويبرر مسؤولون في حزبه أسباب التراجع إلى «شعورنا بخطر يهدد السلم الأهلي. فالسلم الأهلي هو من أولويات جنبلاط، ومن أجله يحق لنا ولغيرنا التراجع عن كثير من المواقف والأهداف».
وفي مقابل جنبلاط الموالي، سجل عند رئيس مجلس النواب نبيه بري المعارض رقم قياسي أيضاً في إطلاق المبادرات والأفكار التي سرعان ما كانت تصطدم بعقبات تمنعها من الوصول إلى خواتيمها السعيدة وإلى التراجع عنها. فبعدما تراجعت المعارضة عن الانتخابات المبكرة عن طريق حكومة حيادية، وفشلت الموالاة في إسقاط الرئيس لحود، أطلق بري اقتراح حكومة أقطاب، سرعان ما قُصف وسقط مضرجاً بدمائه، إلى أن أعلن العماد ميشال عون تصعيده ضد الموالاة (الخطة «ب»)، بعد رفض الشراكة، ثم تراجعت عنه المعارضة مفسحة لمبادرات عربية ودولية لم يكتب لها النجاح. واستمر الكر والفر، حتى أطلق بري مبادرة جديدة في بعلبك تخلت بموجبها المعارضة عن حكومة الوحدة الوطنية مقابل البحث في رئيس توافقي.
«الرئيس التوافقي» تقدمت نحوه الموالاة بعدما بدّلت رأيها في ترشيح اثنين منها، وأعلنت ترشيح العماد ميشال سليمان، إضافة إلى موافقتها على تعديل دستوري. هذا التغير هو الأكبر في فريق الموالاة، والأكثر «إيلاماً» على حد تعبير نائب من مسيحيي 14 آذار وجد في عودة المعارضة إلى مطالبها القديمة «وسيلة لإبقاء الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، ونحن تنازلنا وتراجعنا كثيراً، ولا عودة إلى الوراء والتنازل مرة أخرى».



هزائم متساوية

إسقاط حكومة الرئيس السنيورة وانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً هما أبرز ما أطلقته المعارضة والموالاة من شعارات ومشاريع خلال العام الحالي، ولم تتحقق أو يكتب لها النجاح، فتساويا في الهزيمة، على حد تعبير أحد نواب الأكثرية، الذي برر فشل فريقه السياسي في انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً الذي أنهى تلقائياً مشروع عقد جلسة لمجلس النواب برئاسة نائب الرئيس بـ«الحفاظ على السلم الأهلي والحد من الانقسام الوطني».
فيما يجد أحد قادة المعارضة أن فشل فريقه في إسقاط حكومة السنيورة «يعود إلى الدعم الخارجي الذي تلقته، لكننا لم نتراجع عن هذا المطلب، والاعتصام في وسط بيروت قائم حتى تحقيق هذا
الهدف».