strong>ثائر غندور
•انضمام متّهمين آخرين إلى سوريا وارتفاع سقف التراشق السياسي
لم يختلف عام 2007 عن العامين اللذين سبقاه على الصعيد الأمني، وربما كان أسوأ. فقد شهد الإعلان الرسمي للدخول على خط التفجيرات الأمنية، من أحداث نهر البادر، إلى التفجيرات التي تنقّلت بين مختلف المناطق والتي استهدفت قوّات اليونيفيل
مثّلت أحداث الجامعة العربيّة في 25 كانون الثاني، محطّة أساسية في الصراع السياسي بين المعارضة والموالاة. ففي ذلك اليوم، وعلى خلفيّة صدام طالبي ذي جذور مذهبيّة حصل تراشق بالرصاص الحيّ، وظهور قنّاصين في شوارع بيروت لأوّل مرّة منذ انتهاء الحرب الأهليّة في لبنان. وقد تبادل حزب الله وتيّار المستقبل الاتهامات عن مسؤولية ما جرى، ثم جاءت فتوى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي طالب فيها شبابه بالانسحاب من الشارع لمنع الفتنة السنيّة ــــــ الشيعيّة.
ثم بدأت تفجيرات 2007 في 13 شباط عشيّة الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، عبر تفجير حافلتين في بلدة عين علق في المتن الشمالي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وبعد شهر واحد من هذه الجريمة، أعلن وزير الداخلية حسن السبع في مؤتمر صحافي عقب جلسة لمجلس الوزراء عُقدت في 13 آذار، القبض على الجناة. ورأت قوى 14 آذار هذا التفجير محاولةً من النظام السوري لإفشال مهرجانها في الذكرى الثانية لاغتيال الحريري.
بعد هذا الانفجار وإعلان وزير الداخليّة الكشف عن المجرمين ظنّ اللبنانيون أنهم دخلوا حالة من الاستقرار الأمني، لكن العشرين من أيّار حمل أخباراً غير سارّة: مداهمة قوى الأمن الداخلي لشقّة في شارع المئتين في طرابلس بغية القبض على مجموعة متهمين بسرقة بنك البحر الأبيض المتوسّط، وتوسّع المواجهات لتطاول مواقع الجيش المحيطة بمخيّم نهر البارد، مما أدى إلى مقتل 27 عسكرياً، تم ذبح عدد منهم.
ورأت حركة «فتح الإسلام» حينها في بيان لها أن «الجيش اللبناني يشن هجوماً لا مبرر له على مجاهدي حركتنا في مخيم نهر البارد، فهبّ مجاهدونا وقاموا قومة الرجل الواحد ليدفعوا هذا الظلم». وحذر البيان «الجيش من استمرار الأعمال الاستفزازية التي سوف تفتح عليه وعلى لبنان كله نيراناً وبراكين». فيما قالت قيادة الجيش في بيان لها إنه «على أثر قيام مجموعة من قوى الأمن الداخلي بدهم مبنى داخل طرابلس والاشتباك مع مسلحين، أقدمت عناصر تابعة لحركة «فتح الإسلام» على مهاجمة بعض مراكز الجيش في محيط مخيم نهر البارد والضواحي الشمالية لمدينة طرابلس، كما تعرضت لآليات عسكرية خلال انتقالها في منطقة القلمون».
وصدقت توقّعات «فتح الإسلام». استمرّ الهجوم على المخيّم حتّى الثاني من أيلول رغم اعتبار نصر الله المخيّم «خطاً أحمر». ورأت الأكثريّة الهجوم نصراً لها. خلال هذه الفترة حصلت خمسة انفجارات: الأول في الأشرفية يوم 20 أيار، الثاني في فردان 21 أيار، والثالث في عاليه 23 من الشهر ذاته، الرابع في سد البوشريّة يوم 4 حزيران والخامس في زوق مصبح يوم 7 حزيران. ثم استهدفت مجموعة من القوّات الإسبانيّة العاملة في اليونيفل يوم 24 حزيران. وبلغت هذه التفجيرات أقصاها مع اغتيال النائب وليد عيدو وابنه عبر استهداف سيارته في الروشة، مما أدى إلى استشهادهما وثمانية مواطنين، فصدرت مجموعة بيانات عن الأكثريّة تثبّت اتهام سوريا بالجريمة وصلتها بمسلسل الجرائم الأخرى، وتوسّعت دائرة طلب الضغوط من الأمم المتحدة إلى الدول العربية من خلال دعوة الجامعة العربية إلى اتخاذ موقف من دمشق، ونتجت من ذلك الدعوة لإجراء الانتخابات الفرعيّة في بيروت والمتن الشمالي.
وقد بلغ النقاش السياسي سقفاً عالياً تبادل فيه فريقا الموالاة والمعارضة الاتهامات، وحمّلت الموالاة سوريا مسؤولية افتعال معركة نهر البارد، والانفجارات اللاحقة، فيما قالت المعارضة إن بعض أطراف السلطة موّلت «فتح الإسلام».
في المقابل، حاولت قيادة الجيش حسم النقاش بمؤتمر صحافي عقده يوم 4 أيلول وزير الدفاع الياس المرّ ورئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري ومدير المخابرات العميد الركن جورج خوري ومدير العمليات العميد الركن فرنسوا الحاج، وذلك بعد يومين من انتهاء حرب البارد.
وقال الحاج حينها إن معارك نهر البارد تزامنت مع أحداث أمنية خطيرة «هدفت إلى إشغال الجيش بمهمات أخرى وتمثّلت بالعديد من التفجيرات» منها «انفجار عبوة قرب محالّ «أ.ب.ث» في الأشرفية، انفجار عبوة في فردان، وأخرى في عاليه، رمي مجهول عبوة يدوية في محلة القيّاعة في صيدا، رمي رمانة يدوية على مركز للجيش في محيط عين الحلوة، انفجار عبوة ناسفة خلف كنيسة مار تقلا في ضبية، تفكيك عبوات على شاطئ صور، انفجار عبوة في زوق مكايل في معمل نتج منه حريق هائل، إطلاق النار على عضو «رابطة علماء فلسطين» الشيخ محمد الحاج داخل المخيم، انفجار عبوّة في محلة المنارة أدت إلى استشهاد النائب عيدو وابنه وأربعة مدنيين، إطلاق صواريخ من الجنوب إلى الأراضي الفلسطينية، اشتباك بين عناصر الجيش والمسلحين إثر دهم أماكن مشبوهة ومقتل خمسة ومصادرة أسلحتهم، انفجار عبوة ناسفة بدورية إسبانية على طريق نبع الدردارة ــــــ الخيام».
وبالتالي، يكون الجيش قد أعلن رسمياً هذا العام أن لتنظيم «القاعدة» أذرعاً في لبنان تقوم بنشاطات. وترافق هذا الأمر مع حملة اعتقالات امتدّت من برالياس في البقاع إلى إقليم الخرّوب والشمال والزهراني جنوباً.
كما لمّح رئيس الأركان السابق لقوات «اليونيفيل» الجنرال فيليب غوت إلى احتمال تورّط «الجماعات الراديكالية السنّية» في اغتيال نائبين من الموالاة. وقال إنّ هذه الجماعات نفّذت «6 اعتداءات كبرى».
لكن موقف «القاعدة» كان مختلفاً. فقد نشرت «الأخبار» نقلاً عن أحد الذين تابعوا الملف أن شاهين شاهين الرجل الأقوى في التنظيم كان يعلن أنه جرى توريطه وتوريط تنظيمه الأم («القاعدة») في معركة لا علاقة لهما بها، وكان يتصرف دائماً على أساس عدم التضحية برجاله، وحين التقى قبل أكثر من شهر ونصف شهر (من نهاية المعارك) أحد الوسطاء، وكان مصاباً في ساقه وبدا على محياه التعب والإرهاق، أعلن صراحة: «لقد جرى توريط «القاعدة» في معركة ليست لها».
غير أن هذه التصريحات لم تحسم النقاش حول المسؤولية عمّا جرى في نهر البارد أو حول حقيقة وجود «القاعدة» ودورها أو أدوارها في لبنان.
ثم صدقت توقّعات بعض قادة الأكثرية النيابية، وطالت إحدى العبوات سيّارة النائب أنطوان غانم في ساحل المتن الجنوبي، على بعد أمتار قليلة من منزل الرئيس أمين الجميل في سن الفيل، بالقرب من مستديرة الصالومي، لتبدأ جولة أخرى من الاتهامات للنظام السوري وحلفائه اللبنانيين. وكان لافتاً بيان السفارة الأميركية استنكاراً للجريمة إذ قال: «إننا نلاحظ بقلق أن العديد من السياسيين اللبنانيين المتحالفين مع سوريا، كانوا في الواقع قد حذّروا من أن العنف والقتل سيكونان نتائج لأي جهد حقيقي لممارسة الديموقراطية البرلمانية». بدوره، رأى النائب سعد الحريري الاغتيال رداً سورياً على قصف الطائرات الإسرائيلية للأراضي السوريّة.



المر والمصري

لم يترك الوزير الياس المرّ المؤتمر الصحافي الذي عُقد بعد انتهاء حرب نهر البارد يمرّ دون توجيه رسائل سياسيّة، فوجّه التحيّة إلى «كل الأشقاء والأصدقاء الذين وقفوا إلى جانب لبنان، من المملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية»، ولم يذكر سوريا، وهو ما يتماشى مع موقف فريق 14 آذار. لكن اللواء المصري قال: «كان هناك اتفاق مع الجيش السوري لناحية تعهد بعض العتاد وتقديم بعض الذخائر والمحروقات إلى الجيش اللبناني، واستمر الأمر خلال فترة أحداث البارد». وأكّد المصري أنّه «لم تتوافر لدينا أي معلومات تشير إلى علاقة هذه المنظمة بالمخابرات السورية»، مشيراً إلى أن «كل التحقيقات التي حصلت سابقاً، ومن خلال الموقوفين، ومن الاتصالات التي حصلت مع خلايا «القاعدة» الموجودة خارج لبنان، ومن خلال اعترافات الموقوفين الكاملة، تبيّن أن «فتح الإسلام» ترتبط كلياً بـ«القاعدة». وكان لافتاً غياب قائد الجيش عن المؤتمر الصحافي، وذهب بعض المراقبين إلى حد وصف أحداث البارد بأنها قد تنطوي، في ما تنطوي، على ما يشبه أوراق اعتماده لرئاسة الجمهوريّة.



اغتيال المرشّح لقيادة الجيش

مثّل اغتيال مدير العمليّات في الجيش العميد الركن فرانسوا الحاج صدمة للبنانيين، ولا سيما للعسكريين منهم. ويأتي الاغتيال خارج السياق العام للاغتيالات التي كانت تستهدف السياسيين، رغم وجود سابقة هي محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة مساعد رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي يوم 5 أيلول 2006. ورأى بعضهم أن المجموعات الإسلامية المتشدّدة مسؤولة عن هذا الاغتيال، لكن التحقيقات لم تنته بعد. أما المعارضة، فقد رأت في الاغتيال استكمالاً لعمليّة نقل الجيش من موقعه العسكري المحايد في القضايا السياسيّة الداخليّة إلى موقع الطرف السياسي بهدف كسر هيبته، وخصوصاً أن الحاج كان مرشحاً لقيادة الجيش ومقرّباً من العماد ميشال عون.