صريفا ـ آمال خليل
عسى ألاّ يكون أقصى ما تركه مخيم «أجيال» الفلسطيني في صريفا هو الرسوم والشعارات التي خطّها المخيّمون على جدران حي موسكو الذي فدت بيوته ودماء أبنائه لبنان في عدوان تموز، ولا تزال روضة الشهداء فيه تجمع ما يفرّقه الأحياء. تركوا على الجدران، إضافة إلى أسماء شهداء البلدة وعلم فلسطين، شيئاً يخصّهم ولا يخصّ قسماً من أصحاب الجدران.
المخيم الوطني الخامس الذي يهدف إلى الاتصال المباشر بين الشباب الفلسطيني في الداخل والشتات وبين الشباب اللبناني في مختلف المناطق، مكث في أحد بيوت صريفا ستة أيام ولم يدر به عدد كبير من الأهالي، علماً بأنّه جاء يدعم صمودهم ويشكر لهم مقاومتهم وانتصارهم على العدو الإسرائيلي. فشباب مركز التواصل الاجتماعي (أجيال) الذين تنادوا من مخيمات شاتيلا والبداوي والبارد وبرج البراجنة ومن سوريا مع تعذّر وصول بعض الشباب من داخل فلسطين المحتلة، قاموا بحركة معاكسة لمبادرة بعض الشبان الجنوبيين الذين زاروا النازحين الفلسطينيين من مخيم البارد في البداوي إبّان المعركة ضمن حملة «من إنسان إلى إنسان»، تعبيراً عن تضامنهم مع معاناتهم الإنسانية التي خرجوا منها للتو بدعم من بعض الفلسطينيين الذين استضافوهم خلال نزوحهم في المخيمات. وعلى رغم أن حملة «من إنسان إلى إنسان» دخلت إلى البلدة عبر أحد أبنائها وخيّمت بمعيّته في بيت أبي ابراهيم الذي حظي بجزء من العمل التطوعي الشبابي ومنها طلاء بعض جدران البيت الخارجية، إضافة إلى جلسات مناقشة داخلية تعارفية وتقويمية بين الفلسطينيين وبعض شباب البلدة وآخرين من صديقين اشترك بعضهم في مواد مصورة حية توثيقية من مخيم البداوي إبّان أحداث نهر البارد وبعدها، ولواقع صديقين المنكوبة بعد عدوان تموز حول يوميات الناس كما هي من دون قصّ أو تجميل.
المواد التصويرية بالفيديو عرضت ضمن أعمال المخيم للعموم، للمرة الأولى في حضور المخرج ماهر أبي سمرا منسق مجموعة «سينيمايات» التي تساعد شباباً غير محترفين على توثيق الأزمات وتداعياتها بالصورة الحية بعيداً من المنطق الاحترافي التجاري «تحسباً لئلا تضيع في الذاكرة حقيقة ما يحدث الآن كما ضاعت الثورة الفلسطينية وحرب المخيمات ويوميات الجنوبيين خلال الاعتداءات الإسرائيلية وبعدها برؤية غير محايدة ومهنية». في صريفا، خرج فلسطينيو البداوي والبارد من شاشة العرض ومن ورائهم مواطنوهم الحاضرون لينتقدوا ما فعله الجيش اللبناني وأكثر في المخيم خلال المعركة وبعدها. التعابير الغاضبة والمستاءة لم ترق حتى لبعض من اخترق الصمت اللبناني وذهب إلى البداوي والبارد متضامناً في عز المعركة، لأنه لم ينس أيضاً شهداء الجيش الذين ينتمي بعضهم إلى القرى المجاورة التي شاركت قبل أيام في تشييع قائد المعركة الشهيد فرنسوا الحاج. يبدو أنّه جدال لن ينتهي تجاه ما حدث في البارد، فكاد أن يوقظ في جلسة النقاش جراحاً ربما لم تلتئم بعد بين بعض الجنوبيين والفلسطينيين رغم إشادة أحد منظمي المخيم «بدعم الجنوبيين للثورة الفلسطينية وفدائييها ومشاركة الكثير منهم فيها»، حتى بدا له أن من الأفضل تخطّي التفاصيل الخلافية والتركيز على القضية المشتركة التي لا جدال فيها: أن «الشبان الفلسطينيين ههنا ليشموا رائحة تراب فلسطين ويتنفسوا الهواء الآتي من هناك وليرووا الحرية والنصر الذي يتمنونه في وجوه أهالي صريفا والجنوبيين الذين يؤمنون بأحقية القضية الفلسطينية». بعد الجلسة المسائية، نام الشباب على هدير المشاعر المحتدمة والمتضاربة الضمنية بين اللبنانيين والفلسطينيين تجاه معركة البارد واستفاقوا ليذهبوا إلى مخيم نهر البارد لاستكمال المخيم حيث عرضت المواد ذاتها أمام أهلها لكن النقاش حولها كان مختلفاً.