مهى زراقط
فتحت السيدة العقرب أحد كتب التنجيم الصادرة لهذا العام، وراحت تقرأ توقعات برجها. في البداية كانت تقرأ بصوت منخفض لكنها ما إن قرأت جملة عدّتها مهمة حتى رفعت صوتها وقالت لزوجها السيّد دلو: «آن الأوان لكي تحدث تغييرات... قد تتجلى بعمل آخر أو انتقال إلى مكان جديد»... وأضافت: «أرأيت؟ يبدو أني سأوافق على عرض العمل وسنسافر إلى مدينة أخرى».
ضحك وسألها أن تقرأ له برجه هو أيضاً ليرى إن كان سيسافر بدوره «هكذا نتأكدتقلّب صفحات الكتاب وتقرأ بسرعة فلا يخيب أملها. فالدلو يسجّل هذا العام «انفصالاً من موقع أو مكان» و«يبدأ عملاً جديداً أو يتمتع بظروف مهنية جيدة». لكن لا شيء في الأجواء (الواقعية) يشير إلى احتمالات مماثلة لدى زوجها... للحسم يجب قراءة برج طفلتهما العذراء، التي «تستقيل من مكان لتنتقل إلى آخر أو تقدّم طلباً في مؤسسة غير التي تعمل فيها».
احتمالات الانتقال قائمة لدى كامل أفراد العائلة إذاً، وهذا يعني أن السيدة العقرب ستوافق على عرض العمل وتقرّر السفر. ترى ستحظى شقيقتها الميزان بفرصة إيجاد عمل لها في العاصمة؟ هل تحمل لها توقعاتها إشارات إلى انتقال ما؟
«جوبيتير يتحدث عن مسائل شخصية تشغلك لفترة طويلة كتغيير مكان الإقامة»... لا يشير هذا التوقع إن كان تغيير المكان سيحصل أم لا، لكنه يعني برأيها أن «التوقع صحيح لأن هذا ما يشغل بال شقيقتي فعلاً»... حتى وإن كان لدى جوبيتير المزيد للحديث عنه «توسيع المنزل (وفي مكان آخر شراء منزل)، استقبال عنصر جديد في العائلة سواء عن طريق ولادة أو زواج... أو إن كان التوقع يحمل في مكان آخر من الصفحة «جزماً» بأن بعض مواليد الميزان سيغيّرون فعلاً مكان إقامتهم أو عملهم...
4 أبراج حتى الآن ستغيّر مكان إقامتها أو عملها... ماذا إذاً بالنسبة لبقية الأبراج؟
الحمل «يعرف عمله، اتجاهات جديدة ويقودك إلى أماكن ومواقع أخرى». والثور «قد يرتبط بشخص يسكن بعيداً ويسافر للقائه» و«قد يشعر بحرية التصرف والانتقال إلى مواقع جديدة». وليس مستحيلاً على الجوزاء «أن يترك عمله أو يقدّم استقالته». ويهتم السرطان هذا العام «بتغيير بلد الإقامة». ويقدم الأسد «على تغيير وتجديد وانتقال وأسفار مهمة». القوس بدوره سيواجه صعوبات تنتهي «إلى عمل جديد أو تطور إيجابي في مجال العمل أو انتقال إلى مكان جديد». وعلى الجدي بدوره ألا يخاف من «الانتقال والأسفار الكثيرة» وخصوصاً أنه «قد ينتقل إلى عمل أكثر انسجاماً مع طموحاته»، فيما سيختار كثيرون من الحوت «مجالات عمل أخرى وقد يعرف حالة طارئة أو انفصالاً من مكان أو عن شخص...».
■ ■ ■

التوقعات أعلاه، التي اختارت مثلاً واحداً هو العمل والانتقال، تدلّ إلى أن كلّ توقعات الأبراج في كتب التنجيم متشابهة... ما يطرح السؤال عن سبب تصديق الناس لهذه الأبراج ما دامت هي نفسها للجميع؟ كيف يمكن أن لا «تزبط» مع المنجّم إذا كان يضع أمام جمهوره كل الاحتمالات القائمة؟
يقدّم سلوك السيدة العقرب تفسيراً لهذا الأمر... لم يلفت نظرها في توقعات برجها إلا الأمر الذي يشغل بالها (عرض العمل في الخارج). بل إنها فهمت الجملة وفقاً لما تفكر به، ولكي «تطمئن» أكثر راحت تفتش في برجي زوجها وابنتها عما يدعم القرار الذي تنوي اتخاذه...
هذا السلوك يجد له تفسيراً علمياً في إطار نظرية «التأويل» القائمة على علاقة ثنائية بين النص والمتلقي. حيث يكون «فهم نص ما حالة خاصة من الموقف الحواري الذي يستجيب في شخص ما لشخص آخر سواه» كما يقول بول ريكور مؤكداً أن «التأويلية كنظرية تبقى محصورة في إطار نزعة نفسانية».
التنجيم في هذا المجال لا يستفيد فقط من غواية الأبراج والكواكب وما تثيره في الناس من أوهام جميلة، لكنه يستفيد أيضاً من غواية اللغة... والأخيرة أشدّ سطوة.