عرفات حجازي
تراشق بين قريطم والسرايا وعين التينة عطّل خطوات انفتاحية كان ينوي رئيس المجلس إعلانها اليوم

أقفل الأسبوع على مساجلات ساخنة وغليان سياسي كشف المستوى المأزوم لما آلت إليه العلاقات بين أطراف الأزمة. وبدت الهدنة الهشة، التي فرضتها صدمة اليومين الداميين في 23 و25 من الشهر الماضي، مكشوفة تماماً مع انحسار الأجواء الإيجابية التي خيّمت على البلاد إثر تصاعد بعض الدخان الأبيض من مدخنة المسعى السعودي ـــ الإيراني المشترك، وفي أعقاب الإعلان عن عودة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في غضون الأيام القليلة المقبلة لاستئناف مبادرته لحل الأزمة، التي وضع لبناتها الأساسية في جولاته السابقة وأودعها لدى الفرقاء لإبقاء باب التسوية مفتوحاً، على قاعدة التوازي والتوازن بين إقرار المحكمة الدولية وتأليف حكومة الوحدة الوطنية. ولم يكن أمراً مفاجئاً للمعارضة مسارعة فريق السلطة إلى تبديد الانفراجات السياسية من خلال القصف المركّز على المجلس النيابي ورئيسه من ضمن سلّة الأهداف التي وضعها لشلّ عمل المؤسسات الدستورية وإسقاطها تباعاً وقطع الطريق على أي تحرك أو سعي جدي من شأنه أن يوفّر غطاءً لأي توافق بين القوى السياسية اللبنانية.
وتعترف أوساط مقرّبة من بري بأن تساؤلات سعد الحريري غير البريئة عن ذريعة الانتظار إلى حين الانتهاء من التحقيق الدولي لإقرار قانون إنشاء المحكمة، ومتى سيفرج عن مجلس النواب لإقرار هذا القانون إنما تأتي من ضمن حملة الافتراءات الظالمة التي يتعرّض لها رئيس المجلس منذ فترة. وكان يؤثر الصمت حيناً، وأحياناً يكتفي بتوضيح ما التبس فهمه، محتفظاً لنفسه بهامش من الحركة يمكّنه من البقاء كجسر لحل الأزمات المتناسلة في لبنان بغير لغة التفاهم والحوار. لكن الأمور برأي هذه الأوساط تجاوزت حدود الصبر، وجاء الهجوم المبرمج عليه وعلى المؤسسة التي نجح في إبعادها عن وباء الانقسامات ليخرجه عن صمته، فسمّى الأشياء بأسمائها وكشف بعض الخفايا والخبايا مما تُعدّ له الحكومة وتعمل على تمريره، محتمية بالمحكمة الدولية لمتابعة الاستئثار في حكم البلد ووضع اليد على مقدّراته خلافاً لكل الأصول والأعراف المتّبعة، محاولةً إقحام الأمم المتحدة والدول الكبرى في كل شأن لبناني، ومستقوية بالخارج على الشركاء في الوطن.
وتقول الأوساط المقرّبة من بري: الآن فهم اللبنانيون لماذا كانت الحكومة تحرص على منع النقاش في أي بند من بنود النظام الداخلي للمحكمة وهيكليتها، في حين أمضى مجلس الأمن أكثر من ستة أشهر وهو يناقش ويراجع ويحذف ويضيف في مسوّدة الاتفاق، بينما يمنع هذا الحق عن مجلس الوزراء، فالمطلوب برأي هذه الأوساط هو الدفع بهذه القضية إلى مجلس الأمن مجدداً ليضع يده عليها بتشجيع فريق السلطة وإقرارها تحت البند السابع لتجري تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، محليين وإقليميين، وهذا بالضبط هو بيت القصيد.
وإذ تؤكد هذه الأوساط أن اقتراح تأجيل إقرار قانون المحكمة لحين انتهاء التحقيق، الذي أثار غضب الحريري، لم يكن مصدره الرئيس بري، وتساءلت لماذا لا يجرؤ الحريري على تسمية من اقترح وغطى الاقتراح ووافق عليه، مع العلم بأن الرئيس بري لم يتحدث أبداً عن إقفال البحث في ملف التحقيق والمحكمة وأن كلامه عن نية رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج براميرتس الاعتذار عن عدم مواصلة المهمة الموكلة إليه في حزيران المقبل والتوجّه نحو تأجيل إقرار المحكمة إلى ما بعد التحقيق إنما جاء نقلاً عن السفيرين الأميركي والفرنسي اللذين أبلغاه رغبة المحقق الدولي بعدم مواصلة مسؤولية التحقيق، وأن تكرار الرئيس بري لهذه المعلومات كان بهدف الرد على الذين يطرحون تأجيل البحث في المحكمة إلى ما بعد انتهاء التحقيق، انطلاقاً من أن فكرة التأجيل لم تعد هي الحل بل المسألة توجب البحث عن حلول أخرى من بينها تأليف لجنة مختصة من حقوقيين مشهود لهم بالكفاءة العلمية والنزاهة والتجرّد لدراستها طالما أن التحقيق قد لا ينتهي في حزيران المقبل.
وكشفت أوساط الرئيس بري أن الرجل كان يعمل بصمت، مستنفراً عدداً من مساعديه لإجراء اتصالات محددة مع الأقطاب بهدف تحضير الأجواء والمناخات لخطوات انفتاحية جديدة كان ينوي البدء بالإضاءة عليها ابتداءً من اليوم، لكن استهدافه من جديد ومن قبل سعد الحريري ورئيس الحكومة عطّل هذا المسعى واستدعى منه رداً حازماً.
وتتوقف هذه الأوساط عند الكلام الذي قاله السفير الأميركي بعد لقائه الأخير مع الرئيس بري، قاطعاً الطريق على عودة عمرو موسى ونظريته القائلة بالتوازن والتوازي بين الحكومة والمحكمة عندما طالب بري بتفعيل دور المجلس وأخذ المبادرة بالدعوة للحوار وأن المجلس النيابي هو صاحب الحق الدستوري في منح الحكومة الثقة أو نزعها منها، وتقاطع كلام السفير الأميركي مع تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي قال فيها بوضوح إنه يعارض إعطاء المعارضة الثلث الضامن في الحكومة. وتخلص هذه الأوساط إلى القول إن الفرنسيين والأميركيين ينعون مبادرة موسى ويُعدمون فرص نجاحها.
وتأسيساً على هذه المعطيات الجديدة لم يعرف بعد ما إذا كان موسى الذي يزور موسكو ويواصل اتصالاته مع فرقاء الداخل اللبناني ويتلقى تباعاً سير المشاورات الجارية بين عواصم عربية وإقليمية ودولية سيؤخر عودته إلى بيروت لبضعة أيام ريثما تهدأ الأمور وتتضح صورة المساعي السعودية ـــ الإيرانية، لكنه أوفد اثنين من كبار مساعديه إلى لبنان لاستكشاف مدى قابلية الأطراف لتقديم تنازلات متبادلة وعمّا إذا كان بالإمكان طرح أفكار جديدة أو إضافات على مبادرته تمكّنه من صياغة حل متوازن يأخذ بالاعتبار هواجس الجميع وحساباتهم في اللعبة السياسية الداخلية.