حاورته فاتن الحاج
تصوير بلال جاويش

شيع وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني جواً من التفاؤل، عشية العودة المنتظرة اليوم لطلاب الجامعة اللبنانية، بعد تعطيل قسري دام عشرة أيام. لا يزال وزير التربية عازماً على إنقاذ العام الجامعي، مراهناً على قدرة أهل الجامعة في تحييدها عن الصراعات من جهة، وحرص القوى السياسية نفسها على مصالح أولادها ومستقبلهم من جهة ثانية

  • هل تعتقدون أنّ قرار تعليق الدروس كان صائباً؟
    ــ الظروف التي مرّ بها لبنان خلال الأسبوع الماضي فرضت عليّ كوزير تربية أن أتخذ قراراً بتعليق الدروس في الجامعات والمدارس الرسمية والخاصة، فأحداث الخميس الأليمة أجبرتنا على «التعطيل» حتى الإثنين، ثم رأينا أنّه من المفيد تمديد العطلة إلى الأربعاء، لمصادفة مرور ذكرى عاشوراء، وبالفعل استأنفت الجامعات والمدارس عملها باستثناء جامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية، وكنت قد تواصلت الثلاثاء مع رئيسي الجامعتين لكي يمددا مرة أخرى حتى الإثنين، لمزيد من التهدئة ولملمة الجراح، وكي يعود الطلاب إلى الجامعة وقد تجاوزوا الأحداث، وخصوصاً أنّ هناك سقوط ضحايا: قتلى وجرحى في صفوف الطلاب.

  • لماذا جامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية تحديداً؟ وهل سيعود طلاب الجامعتين الإثنين (اليوم)؟
    ــ الخلاف بدأ في الجامعة العربية، ومنها انطلقت شرارة الأحداث. أما الجامعة اللبنانية فتتميز بتنوع التيارات السياسية، وسبق أن وقعت في ساحات الجامعة اشتباكات عدة بين الطلاب، وقد رأينا أنّه من الأفضل أن نتريث ولو بضعة أيام من أجل تأمين مناخ أكثر صفاءً وهدوءاً. نعم القرار كان لمصلحة الطلاب، وإن شاء الله ستفتح الجامعتان أبوابهما لاستقبالهم الإثنين (اليوم).

  • هل تعتقدون أنّ المناخ الذي تتكلمون عنه سيتوافر في ظل غياب التسوية السياسية؟
    ــ السؤال في محله، وقد تسألين عما ستغيّره بضعة أيام في الواقع على الأرض، لذا فنحن لم نكتف بتعليق الدروس أياماً إضافية لأنّ هذا الإجراء لن يحل المشكلة بالطبع، بل قمنا بعمل موازٍ لتهيئة الأجواء الملائمة لتهدئة النفوس من أجل عودة تضمن عدم الاحتكاك بين الطلاب. ولعل أهم ما فعلناه هو الاجتماع الذي عقد في مجلس النواب، برئاسة رئيسة لجنة التربية والثقافة النيابية النائبة بهية الحريري، وحضوري شخصياً ومشاركة رؤساء الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية، للتشاور في الأحداث وتجنب تكرارها، حفاظاً على مصالح الطلاب وتحييد الجو الجامعي عن التجاذبات خارج الجامعة. وأرى أنّ التوصيات التي اتخذناها في هذا اللقاء تشكل الأرضية الصالحة للعودة بعدما طلبنا من القيادات السياسية المختلفة بأن تلطف من خطابها الذي يتسم بالعنف ويستنفر الغرائز والعصبيات الطائفية والمناطقية والمذهبية. كما توجهنا إلى رؤساء الجامعات ليتحمّلوا مسؤولياتهم داخل الحرم الجامعي، عبر إطلاق حوار مع الطلاب والروابط الطالبية، ومواكبة كل ما يجري بشكل يحول دون تدخل الخارج في شؤون الجامعة الداخلية وشؤون طلابها من جهة، ويمنع خروج خلافات الداخل إلى الخارج، لأنّ خروجها من شأنه أن يفسح المجال أمام الاقتتال خارج أسوار الجامعة، كما حصل الخميس الأسبق. وقد دعونا في الرسالة الثالثة الطلاب إلى التواصل بشكل ديموقراطي، فالجامعة جامعتهم ومطلوب منهم المحافظة على حياتهم الجامعية بعيداً من المؤثرات والضغوط الخارجية. إذاً نحن قمنا بما يجب علينا أن نقوم به لكي نهيئ المناخات الملائمة كي يعود الطلاب الاثنين إلى جامعاتهم في جو أكاديمي سليم.

  • لكنّ قرار رئيس الجامعة اللبنانية بتفتيش الطلاب وسيارات الأساتذة أثار حفيظة البعض الذي اعتبره موجهاً ضد فئة. فما هي ظروف اتخاذ هذا القرار؟
    ــ قرار «التفتيش» تحديداً لم أعلم به سوى من الصحف. لكن، على أي حال، رئيس الجامعة اللبنانية هو المسؤول الأول عنها ومن واجباته أن يسهر على الجامعة واستقرارها، وأن يحافظ على حسن سير الدروس فيها. أعتقد أنّ رئيس الجامعة حريص على حماية الطلاب وأمنهم وسلامتهم، وربما وجد القرار ضرورياً في هذا الجو السياسي المحموم الذي يعيشه لبنان. وأظن أنّ التدبير احترازي لكي لا تتسرب إلى الجامعة أية عناصر خارجية أو أسلحة تثير الاستفزازات وتعكّر الأجواء الأكاديمية. أعرف رئيس الجامعة جيداً، ولا أظن أنه اتخذ القرار في وجه جماعة معينة، فهو أستاذ جامعي ورجل قانون يدرك أبعاد الأمور. كما انّه على مسافة واحدة من الجميع ويحرص على مصالح الطلاب لأي جهة انتموا، وبالتالي لا يتصرف من زاوية فئوية أو مناطقية على الإطلاق. وليس في نية رئيس الجامعة أو وزير التربية أو الحكومة تقييد الحريات العامة سواء داخل الجامعات أو خارجها. لم نتخذ أي تدبير يمكن أن يؤثر على ممارسة الحريات العامة والنشاطات الفكرية والسياسية، شرط أن لا يؤثر ذلك على النظام العام وحق كل طالب بممارسة حريته من دون أي ضغط أو خوف على مستقبله.

  • ماذا إذاً عن منع النشاط السياسي وتأجيل الانتخابات الطالبية التي اعتبرها البعض خرقاً لخصوصية أهل الجامعة؟
    ــ هذه التدابير احتياطية، وتتخذ عادة في الجامعات لحماية الطلاب من المخاطر في ظل هذه الظروف الدقيقة، فلولا الظروف السياسية المعروفة في البلد لما اضطر رئيس الجامعة إلى اتخاذ مثل هذه التدابير المؤقتة والاحتياطية التي من شأنها أن تحافظ على النظام العام داخل الجامعة واستمرار السنة الدراسية بشكل طبيعي.

  • انطلاقاً من الحرص الذي تتحدثون عنه على استمرار السنة الجامعية، كيف سيتم التعويض على الطلاب ما فاتهم من تأخير في البرامج؟
    ــ كمسؤولين تربويين، سنأخذ الظروف وتعطيل الدروس لأيام قليلة بعين الاعتبار وهي ليست المرة الأولى التي تتوقف فيها الدروس بسبب أحداث معينة، وأعتقد أنّ المسؤولين في الجامعة، عمداء الكليات ومدراءها يملكون من الخبرة والتجربة ما يمكّنهم من اتخاذ التدابير المناسبة للتعويض عن التأخير في الجامعات، كما في المدارس والثانويات. وهذه التدابير تترك للكليات نفسها، فتعيد تنظيم البرامج وساعات التدريس. من هنا أعتقد أنه لا خوف على الإطلاق على العام الدراسي، وأستند في قولي هذا إلى الرهان على وعي الطلاب وإدراكهم لمستقبلهم وأنّ تعطيل السنة الدراسية من شأنه أن يقضي على حياتهم الجامعية ويطيح مستقبلهم. ثم انّ الجامعة تدرك مصالح الطلاب وتجهد لإنقاذ السنة الدراسية من دون معوقات أو تأخير. أما الأمر الثالث فهو أنّ القوى السياسية المختلفة يهمها أمر أولادها في الجامعات والمدارس، ولديها من الوعي والإدراك لتجنيب الجامعات مغبة الدخول في الصراعات وانتقال الحالة السياسية العامة إلى داخل الجامعات.
    نحن لا نريد لهذه الصروح أن تغدو مراكز للنزاعات بين الطلاب اللبنانيين، بل مراكز للتفوق والامتياز والتواصل والحوار الديموقراطي البنّاء. هذه العناصر تدعوني إلى أن أكون متفائلاً، بل مصمماً على أن تكون السنة الجامعية سنة مثمرة.

  • ماذا عن تعيين العمداء والمدراء؟
    ــ عملت منذ تسلّمي مهماتي، كوزير، على وضع مشروع جديد للجامعة اللبنانية من أجل تحديثها وإعادة تنظيمها لتتقدم على كل الجامعات في لبنان لأنّها الجامعة الوطنية الوحيدة، وعلينا مسؤولية التأكيد على استقلاليتها. وكان همّي الكبير تعيين عمداء للكليات من أجل تأليف مجلس للجامعة يسهر على حسن سير العمل داخلها، ويديرها بصورة مستقلة عن الوزارة والحكومة لأنّ أهل الجامعة هم الأعلم بمشاكلها وحاجاتها، وهم الأقدر على دفعها لتأخذ موقعها بين الجامعات العاملة في لبنان. لكن الأحداث والظروف الكثيرة حالت دون إصدار هذه التعيينات حتى هذه اللحظة، وأنا حزين لهذا الأمر، بعدما وضعت مشروع التعيينات وأرسلته إلى الجهات المختصة منذ وقت طويل.

  • ماذا عن الاعتراض على بعض التكليفات لمدراء لا يستوفون الشروط المطلوبة؟
    ــ أريد أن أوضح أمراً هاماً، وهو أنّ تعيين المدراء يعود إلى رئيس الجامعة، وليس من صلاحيات وزير التربية والتعليم العالي. وما أعرفه أنّ رئيس الجامعة لم يعيّن بعد مدراء للكليات، وكل ما في الأمر أنّه كلّف بعض الأساتذة في إدارات الكليات التي شغرت للقيام بمهمات الإدارة المؤقتة لحين تعيين مدراء أصيلين في هذه الكليات، باعتبار أنّ الأمور يجب أن تستمر ولا يمكن للمرفق العام أن يتوقف. لذلك اضطر رئيس الجامعة إلى تكليف البعض وهو ينتظر تعيين العمداء مبدئياً ليأخذ الخطوة الثانية بتعيين المدراء.

  • لننتقل إلى الثانويات والمدارس الرسمية، هل هناك من إجراءات محددة ستتخذونها للتعويض على التلامذة؟
    ــ ما قلته بالنسبة إلى الجامعة اللبنانية ينطبق أيضاً على المدارس الرسمية. فنحن نعقد اجتماعات دورية للوحدات الإدارية التابعة للوزارة ولرؤساء المناطق التربوية الذين يتواصلون مع مديري المدارس، وهناك تعليمات واضحة بالعمل من أجل التعويض على تلامذتنا، كل تلامذتنا، عن الأيام التي عطّلت فيها الدروس وفقاً للبرامج ولتنظيم معيّن يطبقه المديرون ضمن كل مدرسة من هذه المدارس. إذاً، فإعادة النظر ببرمجة الساعات متروك للمديرين لتطبيقه بالتنسيق مع الإدارة المركزية. أما المدارس الخاصة فأترك لها حرية وضع التنظيم الذي تريده، فهي تتمتع بحرية واستقلالية وهي جادة للتعويض عما فات تلامذتها.

  • يحتل القطاع التربوي حيزاً كبيراً من الورقة الإصلاحية التي قدّمتها الحكومة إلى مؤتمر باريس ــ 3، وقد عقدتم ورشة عمل لبحث الإصلاح التربوي، إلا أن البعض يرى أنّها تمسّ بحقوق الأساتذة ومكتسباتهم، فما رأيكم بذلك؟
    ــ هناك أكثر من مشروع لوزارة التربية من أجل تحديث المؤسسات التربوية الرسمية في الورقة الإصلاحية للحكومة، وقد عكفنا على دراستها مدة طويلة من الزمن مع الجهات المختصة، علماً بأننا كنا قد بدأنا في العملية الإصلاحية ووضعت أكثر من مشروع للإصلاح، إضافة إلى الدورات التدريبية للأساتذة والمعلمين التي لم تتوقف رغم الأحداث، كما اننا سعينا إلى معالجة مشكلة التسرب المدرسي وعكفنا على مكننة وزارة التربية والمدارس وتزويدها بأجهزة الكومبيوتر...
    ثم انّه منذ تسلمي مهمات وزارة التربية، لا أتخذ أي قرار إلا بالتشاور مع كل المؤسسات التابعة للوزارة وكذلك مع روابط الأساتذة والمعلمين الذين تربطني بهم علاقة حميمة جداً جداً. والعلاقة الموثوقة التي نسجتها مع الروابط هي التي مكنتني من أن أقوم بعملي في وزارة التربية في جو من الثقة والراحة التي دفعت العمل قدماً إلى الأمام. وأنا حريص على حقوق الأساتذة ومكتسباتهم الحرص الكامل كي لا أقول الحرص المطلق وهم يعرفون ذلك، وليس هناك انقطاع بين وزير التربية والروابط، فنحن نتواصل ونتحاور بكل ما يعود على المدرسة الرسمية والهيئة التعليمية بالخير. ثم انّ الورقة الإصلاحية لا تتعرض إطلاقاً، وأقول إطلاقاً، للحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين في التعليم الثانوي والأساسي. وأنا كنت حريصاً على أن لا تمس هذه الحقوق بأي شكل من الأشكال، وهذا أيضاً حرص الحكومة ورئيس مجلس الوزراء الذي يهتم لأمر التربية وشؤون الأساتذة ومصالحهم.

  • لا تزال مباراة تثبيت المعلمين في التعليم الأساسي عالقة. ماذا ستفعلون في هذا الخصوص في المرحلة المقبلة؟
    ــ هناك مشروع قدمته الحكومة إلى مجلس النواب لإجراء مباراة مفتوحة يشترك فيها المتعاقدون في التعليم الأساسي، ومن يريد أن يرشح نفسه لهذه المباراة، وهناك مشروع آخر اعتمدته لجنة التربية النيابية يأخذ بالمباراة المحصورة بين المتعاقدين العاملين في وزارة التربية. الأمر متروك للهيئة العامة لمجلس النواب لتعتمد القانون الذي تراه مناسباً. ليس هناك من جديد. ننتظر مجلس النواب ليفتح أبوابه.

    تخرّج الدكتور خالد قبّاني من الجامعة اللبنانية ومارس التعليم فيها قبل انتقاله إلى وزارة التربية والتعليم العالي. ولذلك، يُعدّ من أهل الجامعة وأبنائها قبل أن يكون وصيّاً عليها. وهو، وإن كان ينطلق من موقع سياسيّ محدّد، إلا أنّه يعتبر أنّ العلاقات الحميمة التي نسجها مع أساتذة الجامعة وروابط المعلّمين تمكّنه من ممارسة عمله في الوزارة في جوّ من الراحة والثقة المتبادلة