طارق ترشيشي
يغزو الأوساط السياسية في هذه المرحلة تساؤل عن مدى فاعلية وجدية مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وأهدافها الحقيقية في حال عودته إلى لبنان، بعدما أوفد مدير مكتبه هشام يوسف لجمع وتحضير القواسم المشتركة بين الطرفين المتنازعين، فريق السلطة والمعارضة، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنها تنطلق عكس السير ضمن السياق اللبناني.
فعندما دعا الرئيس نبيه بري «النخب الأول» من القيادات السياسية إلى «مؤتمر الحوار الوطني» ثم إلى «طاولة التشاور» وصلت الأمور مع مبادرة موسى إلى «طبلية المدراء» حيث إن لقاءات مدير مكتبه مع الوزير غازي العريضي والنائب علي حسن خليل وآخرين، جاءت بعيدة جداً عن «النخب الاول» الذي فشل في حل المسائل العالقة طوال ما يقارب السنة، وخصوصاً أن البلاد تقف على أبواب الذكرى الأولى لبدء مؤتمر الحوار الذي عُقد في 2 آذار الماضي في مجلس النواب، ما يؤكد التراجع في الخط البياني للحوار اللبناني ــ اللبناني، وما يُثبت أيضاً أن المبادرة العربية تسير عكس السير، لأن القيمين عليها يعتقدون أن الحل في لبنان هو حل لبناني ــ لبناني، فيما الواقع هو عكس ذلك تماماً، بدليل ذهاب موسى إلى موسكو وبعض الدول العربية، فيما رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان يتنقل بين موسكو وباريس وواشنطن وطهران، ليظهر أن دور مدير مكتب موسى في لبنان هو تقطيع الوقت وإبقاء فسحة من الأمل أمام اللبنانيين بأن يأتي الترياق من المفاوضات حول العراق.
وتقول بعض المصادر العليمة إن موسى سيؤخر عودته لتتزامن مع ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ويكون هدفه حضور الذكرى وتأمين شبكة أمان سياسية لتمريرها في هدوء، وخصوصاً أن قوى 14 آذار تتجه الى إحيائها عند الضريح ضمن مشاركة رمزية تقتصر على السفراء والمدعوين الأجانب وبعض الشخصيات السياسية والنقابية والاقتصادية والمرجعيات الروحية، تواكبها تغطية إعلامية فضائية ومحلية كثيفة، وخصوصاً أن «قافلة شهداء» قوى 14آذار بدأت تُصنَّف بين «شهداء من الدرجة الأولى» و«شهداء من الدرجة الثانية» على حد ما قال أمس رافي مادايان، كما لم يبح النائب غسان تويني وحفيدتاه نايلة وميشال وأرملة النائب جبران تويني التي لم يُتَح لها المجال لتبدي اعتراضها على الإهمال الذي ترك بعض أجزاء جسد زوجها في البرِّية لأكثر من شهرين قبل العثور عليها في مكان اغتياله.
لذا فإن دور موسى هو إبقاء جمر المبادرة العربية مشتعلاً بعدما كاد رماد القصف السياسي بين الرئاستين الأولى والثالثة عبر رسالة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود أمس إلى الأمم المتحدة رداً على رسالتي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إليها طالباً فيهما إقرار المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الحريري تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتعذر إقرارها في مجلس النواب اللبناني، لأن الرئيس بري لا يدعوه إلى الانعقاد، حسب قوله. وكذلك عبر «القصف السياسي الصاروخي» المتبادل بين الرئاستين الثانية والثالثة، الأمر الذي يُحتم استقدام بعض الماء العربي لإطفاء الحريق في انتظار ما ستؤول اليه محادثات مكة بين حركتي «فتح» و«حماس» برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. فإذا نجحت السعودية في معالجة الملف الفلسطيني بمعزل عن سوريا وإيران، فإنها ستؤسس مرحلة جديدة تعمل خلالها على الاضطلاع بدور علني في معالجة الملف اللبناني بمساعدة إيران ومن دون شراكة علنية بينهما، الأمر الذي يمكن أن يمهد لاحقاً لدور سعودي ضمن الساحة الإسلامية السنية العالمية مقابل الدور المركزي لإيران على الساحة الإسلامية الشيعية العالمية، ما يضفي نوعاً من التوازن العمودي قيادة وجمهوراً وتظهير جبهتين تملك كل منهما أدواتها من القيادة حتى القاعدة. لكن هذا الأمر لا يمكنه النجاح إذا لم يأخذ في الاعتبار الموقف السوري وما لسوريا من مصالح في لبنان والمنطقة.
ويرى بعض المتابعين أن حركة مدير مكتب موسى في بيروت ومن يلتقيه من الصفين الثاني والثالث في القوى السياسية هي بمثابة «بوشار سياسي» في انتظار انتهاء «الفيلم الأميركي الطويل»، حيث إن الجميع يتحركون حالياً في مرحلة من الوقت الضائع في انتظار ما سيحصل في الولايات المتحدة، إذ يخوض الرئيس الأميركي جورج بوش معركته هناك لأن الوضع في «نيو أميركا» غير مستقر، لكنه في الوقت نفسه يدفع بالأوضاع في لبنان وفلسطين والعراق إلى فوضى تكون بمثابة أمر واقع على خصومه الديموقراطيين، فهو طلب موافقة الكونغرس المعارض له على موازنة عسكرية للقوات الاميركية في العراق بقيمة 245 مليار دولار تدل على مقدار الخسارة التي يتكبدها. على أن السلطة والمعارضة تنتظران ما ستؤدي إليه الاتصالات العربية، فيما يبدو أن هناك قراراً بالتهدئة حتى لا تفلت الأمور من عقالها، وهي تهدئة غير مستندة إلى اتفاق، لكن المرجح أنها إحدى نتائج المسعى السعودي الإيراني التي لم تظهر بعد.
ويلخص أحد السياسيين المشهد الحالي قائلاً: «إن لبنان يعيش وقتاً ضائعاً، لكنه لا يعلم في أي مباراة: هل هي مباراة أميركية ــ أميركية؟ أم مباراة أميركية ــ إيرانية؟ أم مباراة أميركية ــ فرنسية؟ أم غيرها». ويختم: «إن ذكرى 14 شباط سيمررها الجميع بأقل خسائر ممكنة، وبعدها سيكون لكل حادث حديث».