الكويت ـ أنطوان سعد
ليس من السهل إعطاء اسم أو هوية للاجتماع المسيحي الذي انعقد في المقر الموقّت لرئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وبرئاسته، في أوتيل بزمار الاثنين الماضي. إذ إن اسم «مسيحيي الرابع عشر من آذار» لا يمكن، بأي شكل من الأشكال، أن يكون دقيقاً، ما دام يستثني الوزراء والنواب المسيحيين المنضوين في تيار «المستقبل» أو في «اللقاء الديموقراطي»، أو بعض النواب القريبين منهما مثل روبير غانم والياس عطا الله. فعدد هؤلاء، كما هو معروف، يفوق بأضعاف عدد الوزراء والنواب الذي حضروا الاجتماع. وبالتالي لا يمكن نزع الصفة المسيحية عنهم إلا إذا قررت المجموعة التي اجتمعت في بزمار خوض مواجهة مع النائبين وليد جنبلاط وسعد الدين الحريري على خلفية استرجاع التمثيل المسيحي منهما بدءاً من استبعاد وزرائهما ونوابهما عن طاولة البحث في الشؤون المسيحية الداخلية.
لكن، ما يزيد في غموض الصورة ولبسها أن الدوائر الإعلامية التابعة لتيار «المستقبل» وافقت على مصطلح «مسيحيي الرابع عشر من آذار»، وتبنّته، وأبرزته في نشراتها الإخبارية المرئية والمسموعة والمقروءة. ولم تحفل، بالتالي، بالتشكيك في الصفة التمثيلية الذي يطال الوزراء والنواب المسيحيين المنتخبين على لوائح تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي يعيد فتح ملف «الهيمنة» السنية والدرزية على القرار المسيحي، المطروح بقوة قبل انحسار الهيمنة السورية على لبنان وبعدها، وخصوصاً إبان الانتخابات النيابية الأخيرة التي ركب فيها العماد ميشال عون موجة الاستياء المسيحي العارم من قيام التحالف الرباعي وفاز بمعظم المقاعد النيابية التي للمسيحيين فيها الكلمة الفصل.
واللافت أن بين المجتمعين في بزمار تحت اسم «مسيحيي الرابع عشر من آذار» من كان انسحب من لقاء قرنة شهوان بحجة أن اللقاء مكوّن من لون واحد طائفي، على رغم رغبة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في ألّا ينسحب في الفترة الحرجة التي كان اللقاء يواجه أثناءها أقسى أنواع التضييق من جانب ما عرف بالنظام الأمني، أو على الأقل إرجاء الانسحاب لفترة وجيزة ريثما يخف الضغط على المجموعة السياسية التي كانت أخذت على عاتقها السير في خط بكركي. لكن عميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس إده أصر، حينذاك، على الانسحاب على رغم استياء النسبة الساحقة من كوادر حزبه الذي يناصر البطريركية المارونية تقليدياً، واضطر ثلاثة من ممثليه في قرنة شهوان، النقيب شكيب قرطباوي، والدكتور سليم سلهب، والمحامي سمير عبد الملك، إلى قطع ما بقي مما كان يربطهم بالحزب.
وفي تقدير لمعيار توجيه الدعوات لحضور اجتماع بزمار، يبدو أن المطلوب كان جمع الشخصيات والقيادات السياسية الفاعلة في مناطق ذات أغلبية مسيحية وغير منضوية في «اللقاء الديموقراطي» أو تيار «المستقبل». أما الآخرون، «فهم أساساً موجودون في هاتين الكتلتين وفاعلون فيهما، وهم ربح ومكسب لنا ولا لزوم لدعوتهم»، على ما أجاب جعجع عن سؤال للزميلة هيام القصيفي في شأن سبب استبعاد وزراء «المستقبل» ونوابه عن الاجتماع الأول لمسيحيي الرابع عشر من آذار الذي عقد في الأرز.
غير أن معظم المستبعدين عن اجتماع بزمار مستاؤون، ويشعرون إما بالطعن في صحة تمثيلهم الشعبي وبالإساءة الشخصية، وإما أن المعركة الانتخابية المقبلة قد بدأت وأن مواقعهم باتت محط أنظار، إن لم يكن أطماع، القوى السياسية المسيحية الموالية التي ترى أنه يعود إليها الحق في شغل هذا العدد الكبير من الحقائب الوزارية والمقاعد النيابية المسيحية التي يشغلها تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي.
وفي المقابل، ثمة نواب في صف الأكثرية ممن ليسوا في الكتلتين المذكورتين ولم توجّه إليهم الدعوة لحضور اجتماع بزمار، يرون أن «من الخطأ بعد كل ما تحقق من وحدة حال بين اللبنانيين إثر انتفاضة الرابع عشر من آذار، أن تستأنف الاجتماعات من لون طائفي واحد». فيما يعزو بعض المراقبين المستقلين أسباب غياب النائب سمير فرنجية عن هذا الاجتماع إلى اعتبارات تعود إلى فترة الحرب الأهلية وإلى عدم وجود انسجام بينه وبين رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية».
وفيما يرى نائب في «اللقاء الديموقراطي» أن اجتماع بزمار هو مقدمة لإحياء لقاء قرنة شهوان، ولكن من دون مطران، ترى أوساط مراقبة أن ما يمكن أن يلوح في الأفق هو تجربة جديدة معدّلة للجبهة اللبنانية.