رشا أبو زكي
توقّفت التحرّكات المطلبية للاتحاد العمالي العام. اختفت فجأة الاعتصامات المتنقّلة أمام الوزارات. لكنّ الذيول السياسية والنقابية لما حدث لم تنتهِ بعد. وثمّة بين النقابيين من لم يغفر للاتحاد العمالي فعلته، فبدأ يعدّ العدّة لإنشاء اتّحاد عمّالي عام بديل

بين الفرز السياسي القائم وتحرّكات الاتّحاد العمّالي العام الأخيرة، برز شكل جديد للصراع النقابي. فقد بدأ الحديث عن إنشاء أعضاء التحالف النقابي الديموقراطي اتحاداً عمالياً عامّاً جديداً بديلاً من القائم. أعضاء التحالف ترددوا في الكشف عن خطواتهم العملية لإنشاء هذا الاتحاد، وبرّروا تحرّكهم بأنّ القناع النقابيّ قد سقط عن وجه الاتحاد العمالي العام الحالي، وأصبح من الضروري إيجاد ممثل حقيقي للعمال.
إلا ان هذه الخطوة تكبّلها عقبات عدة، منها الاعتراف بهذا الاتحاد بديلاً قانونياً من الموجود، وذلك لكي يوجد في الإدارات ذات التمثيل الثلاثي (أصحاب العمل، الدولة، العمال)، كما هي الحال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أما الاتحاد العمالي فله رأيه الخاص، إذ تساءل «كيف للسلطة الاعتراف باتحاد عام معارض لسياستها الاقتصادية والاجتماعية إلا إذا كانت نشأة هذا الاتحاد لها هدف شرذمة الحركة النقابية؟».

نعمة: الخطوات العملية

«يوجد حاجة ملحة لتغيير بنية التنظيم النقابي في لبنان، وهذه الضرورة ليست وليدة اليوم، بل بدأت مع تدخّل السلطة الفاضح في الاتحاد العمالي العام في انتخابات عام 2000. أصبحنا منذ ذلك الحين في حاجة الى نشوء اتحاد عمالي عام جديد لمواجهة الشرذمة المقصودة التي تتعرّض لها الحركة النقابية». هكذا يفتتح ياسر نعمة، الأمين العام للتحالف النقابي، حديثه. ويردف «إن قيام اتحاد عمالي عام جديد ما زال قيد الدرس، ولا أريد تأكيد قيام الاتحاد لأن هذا الموضوع مصيري، وإذا كُشف عن الخطوات التنفيذية يمكن ان يموت قبل ان يولد». ولكنه أكد «أنّ الاتحاد الجديد سيتبع الهيكلية النقابية التي سبق ان وضعها التحالف، وسيفتح باب الانتساب للاتحادات كافة، وسينتسب حكماً أعضاء التحالف، ولن ينتسب بالطبع اتحاد حزبي لأنه لن يتقبّلنا، ولن تُمنع الاتحادات الجديدة «المفرخة» من الانتساب، بل سيقوم الاتحاد العام الجديد بتنظيمها في اتحادات قطاعية، من دون دمجها قسراً». وعن الخطوات التي يمكن اتباعها قال نعمة «ان الاتحاد العام ليس في حاجة الى ترخيص، فنحن لا نقدم طلب ترخيص الى هذه الحكومة أو غيرها حتى تأخذ موقفاً عدائياً منا أو مؤيداً لنا، بل سنقدم علماً الى وزارتي العمل والداخلية بنشوء الاتحاد الجديد». وتابع نعمة «سيُصحّح الوضع الذي نشأ من سيل الترخيصات التي أطلقها وزراء العمل المتعاقبون للسيطرة على الاتحاد العمالي العام. وهنا تبرز ضرورة إقرار الهيكلية النقابية الجديدة قانوناً ملزماً من جانب مجلس النواب». وأشار الى «وجود قانون عمل جديد في مجلس النواب، إلا أنّه لم يقرّ بعد، لذلك سنعرض تصورنا عن الهيكلية الجديدة على مجلس النواب كمشروع قانون يقدمه 10 نواب لإقراره».
نعمة أشار الى ان «التحالف يتريث قبل الإعلان عن الاتحاد الجديد، لاكتساب صفة التمثيل الفعلي للحركة النقابية ككلّ. فهناك إدارات تقوم على التمثيل الثلاثي مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومجالس العمل التحكيمية ودائرة الاستخدام وسابقاً المجلس الاقتصادي الاجتماعي، ما يستدعي الاعتراف بالاتحاد الجديد ممثلاً حقيقياً للعمال بدل الاتحاد العمالي العام الحالي، إذ ان مرسوم تأليف مجلس إدارة الضمان مثلاً يصدر عن رئيس الجمهورية والحكومة ووزير الوصاية»، وأشار الى ان «هذه القضايا ستحل بالنضال».

فغالي: الولادة قريبة

عضو التحالف النقابي الديموقراطي موسى فغالي قال إنّ التحالف «وجّه عدة إنذارات الى الاتحاد العمالي ليعيد تصويب مساره، كي لا يقال إنّ التحالف يريد تقسيم الحركة النقابية. لكنّ قيادة الاتّحاد فضّلت أن تخرج عن دورها النقابي لتحدث عدم توازن سياسي وطائفي وعمالي، عبر تأليف اتّحادات نقابية وهمية وتنسيبها الى الاتحاد العام. لذا لم يبقَ لدينا أي خيار سوى إنشاء اتحاد عمالي عام جديد يقوم بتغيير جذري في واقع الحركة النقابية». وتابع فغالي «نحن نقوم بالخطوات العملية اللازمة للوصول الى انشاء اتحاد جديد، في ما يتعلّق بوزارة العمل ومنظمتي العمل العربية والدولية، وسنعلن النتائج في الوقت المناسب. سنقدم مستندات الى الوزارة وعندما يُتوافق عليها نبدأ بمراسلة الاتحادات المحلية والإقليمية والدولية، ونتحول الى اتحاد عمالي شرعي».
فغالي لفت الى ان «الحوار لا يزال قائماً على اسم الاتحاد العمالي العام الجديد، إلا انه سيكون جاذباً، وسيدلّ على صيغة الاتحاد الجامعة». وقال انه سيُعلن «الاتحاد الجديد خلال الشهرين المقبلين. وإن طال الموضوع، لن يتعدّى نهاية هذا العام». وأشار إلى انه «لم يُتفق حتى الآن على الهيئة التأسيسية، إلا ان أعضاء الاتحاد سيكونون من اتحادات قديمة وجديدة».
فغالي قال «ان البحث مع وزير العمل بدأ، إذ وُضع في أجواء مشروع التحالف، والوزير سيحاول معالجة الأوضاع خلال الأسبوعين المقبلين، وفي حال الفشل سيُتوجّه الى اتحاد عمالي جديد». وأضاف أن «التحالف يقوم باجتماعات تمهيدية، وفي 20 أيار المقبل يوجد انتخابات في الاتحاد العمالي العام، ويمكن ان تتزامن انتخابات الاتحاد العمالي مع انتخابات الاتحاد الجديد». وأشار الى «أننا ما زلنا نحضّر النظام الداخلي، ونسعى إلى شراء مركز خاص، إضافة الى التحضيرات الإدارية الأخرى، ومن الممكن ان نتابع هذا الموضوع ومن الممكن ان نتوقف».

قانوني؟ سياسي؟ طائفي؟

عن مدى قانونية انشاء اتحاد عمالي جديد، يقول نعمة إنّ «التنظيم النقابي نصت عليه القوانين المرعية، وخصوصاً في ما يتعلّق بحرية التنظيم التي يحفظها الدستور وقانون العمل، أي إنّه بإمكان ثلاثة اتّحادات نقابية أو أكثر وضع نظام أساسي ونظام داخلي لاتّحاد عام وإعطاء علم بذلك للجهات المعنية في وزارتي العمل والداخلية، وتبعاً لقانونية الاتحادات هذه تقوم قانونية الاتحاد العام».
وعن اتهام التحالف بالتسيّس، قال نعمة إن «المجموعة التي كوّنت التحالف النقابي واجهت السلطة منذ عام 1997، ولا يعنينا أبداً إذا كان بعض النقابيين في التحالف تابعين لأحزاب سياسية بشكل علني أو مضمر، فما نعتمد عليه هو الانتماء النقابي المجرد». وعن عدم التحرك ضد برنامج الحكومة الاقتصادي قال «ان أي تحرك في الشارع سيعطى تفسيراً تخريبياً، لذلك فضّلنا الاكتفاء بإعلان ما أردنا إعلانه، في مؤتمر صحافي». وعن انتماءات بعض أعضاء التحالف السياسية الموالية للسلطة، وانعكاس ذلك على صورة التحالف التي تفصل السياسة عن المطالب النقابية في حال القيام بالتحرك، لفت نعمة الى ان ذلك لا علاقة له بالموضوع، «فأعضاء التحالف يعملون باستقلالية. إذ وقف التحالف ضد كل من حاول احتواءه، فالتحرك الآن لا جدوى منه، وإذا كان «الغمز» من زيارتنا رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فقد كان ذلك لمتابعة الورقة المطلبية التي قدمها التحالف، وهذا لا يعني ان التحالف موافق على سياسة السنيورة الاقتصادية التي ساهمت في زيادة الضرائب والرسوم على الفقراء ومحدودي الدخل». أما فغالي فلفت الى «وجود آراء مختلفة في التحالف في تأليف اتحاد عمالي جديد، إلا ان تصرفات القيادة تقلص من الفروق هذه، في اتجاه إيجاد بديل». وأشار الى ان «التوازن الطائفي في الاتحاد مفقود، إذ كان يوجد قبل عام 1993، 23 اتحاداً (12 اتحاداً مسلماً و11 مسيحياً). وكانت مناصفة بين اليسار واليمين، إلا أنّه يوجد اليوم 51 اتحاداً، بينها 30 اتحاداً تابعاً للقوى المعارضة والمسلمة، إضافة لستّة اتحادات غير مرخصة من وزارة العمل، لذا لا يوجد أي أمل في العودة الى الاتحاد العمالي بصيغته القائمة».

حمادة: «سأفضحهم»

وزير العمل بالوكالة حسن السبع أشار الى ان «موضوع إنشاء اتحاد عمالي جديد غير مطروح حالياً، إذ إن ذلك مرتبط بالظروف السياسية وتطورها»، لافتاً الى ان «الوزارة تنسق مع جميع النقابات التي تأتي إليها، وهي تقوم بواجباتها كاملة، وتنجز جميع المعاملات المطلوبة». وأشار الى ان الوزارة «تريد ان تعمل ولا تريد ان تتكلم فقط كغيرها». ورداً على سؤال عن عمل الوزارة في ما يتعلق بمنع الترخيص لنقابات وهمية، والتدقيق في كل القضايا المتعلقة بالحركة النقابية، أجاب السبع «ان شاء الله سيكون خيراً».
وزير العمل المستقيل طراد حمادة قال إنّ «بعض العمال شكوا من الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، بسبب اتحادات موالية للتنظيمين في التحالف النقابي تريد تكوين اتحاد عمالي جديد. وهذا خطأ قاتل لأن ذلك دلالة على تدخّل الحكومة في الشؤون العمالية، وباستطاعة الاتحاد العمالي تقديم شكوى من التدخل الحكومي في الحركة الـــــنقابية الى المنظمات الدولية».
حمادة نبّه وزير العمل بالوكالة من أنّ «تدخّله في هذا الموضوع والموافقة على اقتراح التحالف بمثابة فضيحة»، لافتاً الى ان «إصلاح العمل النقابي يكون عبر الحوار داخل أطر الاتحاد العمالي». واعتبر انه في «الاتحاد العمالي يوجد أعضاء حزبيون ولكن لا يوجد تدخل حزبي يمنع حرية الحركة النقابية واستقلالها. أما الاتحاد العمالي الثاني الذي يقترح البعض إنشاءه، فهدفه الوحيد تقسيم الحركة النقابية. إذ إنه يجب محاربة «تفريخ» النقابات، فكيف بـ«تفريخ» اتحاد عمالي جديد؟». ولفت حمادة الى ان «منظمة العمل الدولية والوزارة توافقتا على ضرورة اجراء حوار بين الاتحادات النقابية، الا ان ضغوطاً غير مباشرة مورست على المنظمة كي لا تساعد العمّال اللبنانيين على تأليف ورقة إصلاحية نقابية موحدة». وحذر من أنّه «في حال الإصرار على شقّ العمل النقابي وتخريب الخطة الإصلاحية التي كانت نهجي في الوزارة، سأضطر عندها إلى فضحهم وكشف الحقائق وعرض المستندات والمحاضر».





«هل تقبل السلطة باتّحاد معارض؟»

يعلّق نائب رئيس الاتحاد العمالي العام مارون الخولي على ما يشاع عن إنشاء اتحاد عمالي عام جديد، فيقول انه «مع نشوء اتحاد عمالي جديد اذا كان سينافس الاتحاد القائم على المطالب العمّالية، ويمكن هذه الخطوة ان تحض الاتحاد العمالي على المزايدة وزيادة عمله، لكنّي لا أحبّذ ذلك إذا كان المقصود فرز العمّال في اتّحادين، واحد للمعارضة وآخر للموالاة». وشدد الخولي على انه «يجب ان يكون الاتحاد الجديد معارضاً للسلطة لكي يستطيع تحقيق مطالب من يمثّلهم». وتساءل «هل يمكن السلطة أن تعترف باتّحاد عمّالي آخر ليعترض على سياساتها، وهي باتّحاد واحد مش مخلصة؟». وتابع «إلا اذا كان الاتحاد العمالي العام الجديد يريد «الحرتقة» على الاتحاد القائم».
الخولي أشار إلى أنّ «التحالف النقابي لم يتحرّك ضدّ البنود المطروحة في برنامج الحكومة الاقتصادي، ولم يقرن القول بالفعل، وكان أشبه بحالة «تنفيسيّة» لا «تنفيذية»، لذا على أي اتحاد عمالي شريف أن يكون ضد طروحات السلطة، وإلا فليصبح حزباً سياسياً، أو فليفتح أعضاؤه مكاتب عمالية لهم في أحزابهم».
الخولي نفى أن تكون تحركات الاتحاد العمالي مرتبطة بأي اتجاه سياسي قائم، فقد «نظّم الاعتصامات رفضاً لما تطرحه الحكومة من زيادة في الضرائب والرسوم على الشعب. ومما لا شك فيه ان هذه الطروحات تقاطعت مع تحركات المعارضة الرافضة هي الأخرى لبعض بنود البرنامج الاقتصادي الذي عرض في باريس 3، وبالتالي لا يستطيع الاتحاد منع أحد من الإفادة من تحرّكه وتضامنه معه، وخصوصاً أنّ الاتّحاد العمّالي منع السياسيّين من اعتلاء المنبر خلال التحركات الأخيرة لكي لا يتهم بالتسييس».
وأشار الى ان الاتحاد العمالي «يضم نقابيّين يؤيّدون أحزاباً سياسية معظمها مع قوى 8 آذار، لكن الواقع نفسه ينسحب على التحالف النقابي الديموقراطي، إذ ان غالبية الاتحادات الموجودة فيه موالية لأحزاب 14 آذار». وتابع «ان النقابات التي رخص لها بعد 1993 ليست فقط من قوى 8 آذار، فبعضها موجود مع التحالف النقابي، فالتراخيص وزعت في حينها ديموغرافياً وطائفياً». ولفت الى وجود خلل في النظام الداخلي للاتحاد، ولكن أي إقرار لهيكلية جديدة يقتضي حل النقابات القديمة وصياغتها على أسس جديدة، وهذا شبه مستحيل.