عمر نشابة - حسن عليق
طالت صباح أمس يد الإجرام والترهيب المواطنين
أثناء توجههم الى أشغالهم في منطقة المتن. فسقط ثلاثة شهداء و23 جريحاً، نقلوا الى المستشفيات. وتقوم الأجهزة الأمنية بالتحقيقات لكشف المجرمين، لكن إخفاق تلك الأجهزة في إدارة مسرح الجريمة بالطريقة المهنية المناسبة قد يصعّب مهماتها


تعرّض المواطنون في منطقة المتن صباح أمس لانفجارين، فصلت بينهما مدة زمنية تقل عن عشر دقائق، ومسافة لا تزيد عن 80 متراً. وقع التفجيران في حافلتين لنقل الركاب تعملان على خط بتغرين ـ الدورة. تسع الحافلة الأولى 32 راكباً، وهي من نوع «ميتسوبيشي»، أما الثانية فهي من نوع «كيا» وتسع 25 راكباً. كان يقود الحافلة الأولى صاحبها ميلاد أديب الجميّل من بلدة الجوار. انطلق من ساحة بتغرين الساعة 8:10 صباحاً. سلك طريقه اليومي على خط بتغرين ـ الدورة. وبعد خروجه من بتغرين، مرّ في زغرين وصولاً إلى بكفيا. خرج من بكفيا ليدخل بلدة عين علق الصغيرة التي تعتبر مدخل بكفيا الغربي (انظر الخريطة). وحوالى الساعة 8:45 دقيقة وقع انفجار في حافلة الـ«ميتسوبيشي» أدى الى استشهاد أحد الركاب وسقوط عدد من الجرحى، وتضررت الحافلة تضرراً شديداً، وانفتح سقفها ودمرت من الداخل. ازدحم السير في المنطقة. وبعد حوالى سبع دقائق، وصلت الحافلة الثانية (من نوع «كيا») التي كان يقودها شادي صليبا. نزل السائق وبعض ركاب حافلته لاستطلاع ما جرى. وفي هذه الأثناء دوى انفجار ثان، هذه المرّة في حافلة صليبا (كيا)، وكان أثره أعنف من الانفجار الأول، إذ أدى إلى استشهاد مواطنين اثنين وإصابة عدد أكبر من الجرحى، وطار كامل سقف الحافلة الثانية ودمرت تدميراً كاملاً. كما تضرر عدد من السيارات التي صودف مرورها في المكان، منها سيارة BMW بيضاء اللون كانت قريبة جداً من الحافلة وكانت أضرارها جسيمة. وشوهد أحد ضحايا التفجير بين الحافلة والسيارة المذكورة، وكان لا يزال حياً، مصاباً بجروح بالغة جداً.
وباستعادة شريط الأحداث، قصدت «الأخبار» أماكن سكن السائقين واطّلعت على خط سيرهما. انطلق ميلاد الجميل، من منزله في بلدة الجوار (انظر الخريطة)، قرب كنيسة مار الياس. وكانت حافلته متوقفة في مكان مكشوف أمام منزله، وذكر أحد أفراد عائلته أن المكان مضاء ليلاً. كما ذكر شقيقه سليم أنه، يومياً، يتفقد السيارة ميكانيكياً بين السابعة والسابعة والنصف صباحاً. وذكر أنه كنس أرض الحافلة صباحاً ولم يجد فيها أي طرد أو حقيبة أو ما يثير الريبة. وعندما سألناه عن مؤخر السيارة، أكد أنه لم يشاهد أي جسم غريب فيها. غادر ميلاد منزله الساعة السابعة والنصف متوجهاً إلى ساحة بتغرين، حيث انتظر دوره لينطلق «على الخط».
أما شادي صليبا، فهو من بلدة بتغرين، ويسكن بجوار كنيسة مار جرجس في البلدة، ويركن حافلته ليلاً في مكان مكشوف قرب الكنيسة المحاطة بأبنية سكنية. انطلق من منزله بين السادسة والنصف والسابعة لإيصال طلاب مدارس بحافلته إلى بكفيا، قبل أن يعود إلى ساحة بتغرين منتظراً دوره ليبدأ عمله اليومي على خط بتغرين ـــــ الدورة. وذكر أحد أصحاب المحالّ في ساحة بتغرين أن عدداً من الركاب انتظر في محله لاتّقاء المطر، ليحين موعد مغادرة الحافلة. إشارة إلى أن الحافلات العاملة على الطريق نفسه تخرج من ساحة بتغرين ببرنامج مقرر سلفاً من قبل السائقين، بوتيرة حافلة كل عشر دقائق. وليست هناك نقاط محددة لتوقف الحافلات وإنزال الركاب أو اصطحابهم، بل إن هذه الحافلات، كمثيلاتها العاملة على كل الأراضي اللبنانية، تتوقف على طول الطريق عند رؤية السائق ركاباً يودون الصعود، أو حين يطلب منه أحد ركاب الحافلة التوقف لإنزاله.
وتحدثت «الأخبار» مع شخص كان يرافق أحد سائقي الحافلتين، فقال إنه لا يذكر عدد الأشخاص الذين صعدوا في الحافلة ثم نزلوا. وأضاف ان أكثر الركاب كانوا يحملون معهم حقائب وأكياساً شخصية.
التحقيقات القضائية
ذكر مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار» أن العبوتين كانتا موضوعتين داخل الحافلتين وليستا ملصقتين على أسفل الهيكل من الخارج. والمرجح، كما ذكر المصدر عينه، أن كلاً منهما كانت في المقاعد الخلفية (يرجّح المقعد ما قبل الأخير) على الجهة اليسرى لكل حافلة (خلف السائق). وقدّرت زنة كل من العبوتين المنفجرتين بما يساوي ما بين كيلوغرام واحد وكيلوغرامين من مادة TNT. وذكر المصدر الامني أن العبوتين كانتا تحويان كرات حديدية صغيرة بهدف إيقاع العدد الأكبر من الإصابات. كما ذكر أن التحقيقات ترجح أن شخصين صعدا إلى الحافلتين (في أي نقطة من المسار بين بتغرين وعين علق ـــــ انظر الخريطة) ثم وضعا العبوتين قبل أن يترجّلا. ولم يحسم المصدر طريقة التفجير وما إذا كانت لاسلكية أم عبر جهاز توقيت، مضيفاً أن نزول بعض ركاب الحافلة الثانية قبل الانفجار للاستفسار عن الانفجار الأول، خفض عدد الإصابات.
إدارة مسرح الجريمة
زار مكان الانفجار المزدوج المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وقاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر. وأعطى القضاة توجيهاتهم للأجهزة الامنية لمباشرة التحقيقات. وبالرغم من بعض التحسينات في إدارة مسرح الجريمة، مقارنة بحوادث وانفجارات سابقة، إلا أنها ما زالت تعاني نقصاً حاداً في التنظيم. يبدأ الخلل بتحديد ساحة الجريمة وحمايتها. فبالرغم من أن القوى الأمنية وضعت شريطاً أصفر يحدد المنطقة المذكورة، بقيت مناطق تحوي قطعاً متطايرة من الحافلتين خارج الشريط الأصفر. كذلك، وأثناء وجودنا في محيط مسرح الجريمة، حضر عدد من السياسيين إلى المنطقة ودخلوا مع مرافقيهم إلى ساحة الجريمة، ومنهم أحد المسؤولين الحزبيين غير الرسميين في المنطقة، الذي رفع أحد مرافقيه الشريط الأصفر، دون استئذان عناصر الجيش اللبناني الموجودين لمنع أحد من الدخول. كذلك، فإن الأجهزة الأمنية العاملة داخل مسرح الجريمة متعددة. فهناك عناصر من الجيش اللبناني ومن المكافحة ومن قوى الأمن الداخلي والشرطة القضائية، قبل أن تتسلم قوى الأمن الداخلي إدارة مسرح الجريمة بعد عدة ساعات من وقوع التفجيرين، لتعمد إلى رفع خيمة فوق الحافلتين المستهدفتين حفاظاً على الأدلة، ولا سيما المجهرية منها، علماً بأنها بقيت عدة ساعات عرضة للأمطار والرياح. كذلك لم تكن العناصر التي تعمل في رفع الأدلة مجهزة بالألبسة الخاصة أو بالأدوات أو الآلات اللازمة، عدا الكاميرات والقفازات. واستعانت الأجهزة الأمنية بكلاب بوليسية لكشف متفجرات أخرى في مسرح الجريمة.
وعمدت القوى الامنية إلى تفتيش كل الحافلات العاملة على خط بتغرين ــــ الدورة بواسطة كلاب قرب مبنى الدفاع المدني في بلدة بتغرين أمس.



الشهداء والجرحى
بلغت حصيلة الإصابات البشرية نتيجة انفجار حافلتين في عين علق 3 شهداء و23 جريحاً، توزعوا على مستشفيات بحنس وسرحال وسيدة لبنان. وقد نقل إلى مستشفى بحنس شهيدان، هما: لوريس الجميل (35 عاماً) التي كانت ذاهبة لزيارة والدتها وعائلتها، وابراهيم فلاح (35 عاماً)، من التابعية السورية والذي نقل جثمانه الى مستشفى بعبدا الحكومي بعد سماح مخفر بكفيا بذلك، و13 جريحاً: وهيب المر، فرنسوا مكرزل، راغدة أبو حيدر، إلسي صياح، لور معلوف، ماري صليبا، نجلا أبو حيدر، إنتصار واكيم، نمرة الحسيني، نعمت صليبا، إليز المر، بريجيت المر وروني فرنسيس. كما أفاد المستشفى أن معظم الإصابات كانت في البطن والرجلين، ما تسبب ببعص حالات البتر. من جهة أخرى، نقل إلى مستشفى سرحال عشرة مصابين، بينهم الشهيد ميشال فؤاد العطار (19 عاماً) الذي كان متوجهاً الى كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية لتحصيل العلم، والجرحى: منية شدياق، شادي صليبا، ألان خوري، ليلى الجميل، نضال الأشقر المعروفة باسم تقلا، هلا مظلوم، حنة أبو أنطون، بسام صليبا ونيكول زقليط. كما أفاد مدير المستشفى أن هناك بعض الإصابات الحرجة، وتتطلب تدخلاً سريعاً. أما المواطن ميشال أنطوان الحاج بطرس الذي أصيب بجروح طفيفة، فقد نقل إلى مستشفى سيدة لبنان وغادرها بعد المعالجة. من ناحيتها، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام عن نقل المواطنة ماجدة ميشال كفوري الى مستشفى «أوتيل ديو»، لكن قسم الطوارئ نفى في اتصال مع «الأخبار» معالجته أية إصابة، مؤكداً أن جميع الجرحى قد توزعوا على المستشفيات المجاورة لمنطقة وقوع الانفجارين.
أما وزارة الصحة العامة، فقد أصدرت بياناً طلبت فيه من المستشفيات معالجة الجرحى الذين أصيبوا بالانفجار على حساب وزارة الصحة العامة. كما طلبت من الأطباء ومراكز إصدار بطاقات الاستشفاء تسهيل أمور المواطنين لجهة إصدار موافقات الاستشفاء على حساب الوزارة.



ملاحظات تقنية في التحقيق
يعدّ التفجير المزدوج، الذي حصل أمس، الأول من نوعه منذ تفجير كنيسة سيدة النجاة في عام 1994، لكون التفجيرين استهدفا مواطنين عاديين من غير السياسيين بشكل مباشر. ومنذ بدء سلسلة التفجيرات والحوادث الأمنية في الأول من تشرين الأول 2004، التي استهدفت سياسيين وإعلاميين وأحياء مدنية مختلفة، فإن انفجار أمس هو الأول الذي يستهدف وسائل نقل عامة يستخدمها عادة مواطنون من ذوي الدخل المحدود. فقد بدا سابقاً أن التفجيرات التي تعرضت لها مناطق سكنية أو سياحية أو صناعية (شارع «مونو» والجعيتاوي والكسليك وغيرها) لم يكن هدفها الأساس إيقاع عدد كبير من الضحايا، إذ إنها وقعت ليلاً خلافاً لانفجاري أمس اللذين وقعا في ساعات الصباح التي تشهد عادة ازدحام سير وعجقة مواطنين متوجهين الى أشغالهم. أما في طريقة التنفيذ، فإن انفجاري أمس يتقاطعان، تقنياً، مع عدد من التفجيرات السابقة، فعلى سبيل المثال، يعيد وجود الكرات الحديدية، في العبوتين اللتين فجّرتا أمس، إلى الأذهان التفجير الذي استهدف الضابط في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي المقدم سمير شحادة في ساحل إقليم الخروب والذي راح ضحيته أربعة شهداء من قوى الأمن. لكن العبوات التي استهدفت الأخير كانت موضوعة على جانب الطريق، ولم تكن مزروعة في إحدى سيارات موكبه. إلا أن هذا التقاطع لا يؤكد ولا ينفي وجود أي علاقة بين تفجيري أمس واستهداف شحادة.
من ناحية أخرى، من المرجح أنّ ما زاد من ضغط العبوتين هو انفجارهما في حافلات مقفلة، وخصوصاً في الحافلة الأصغر حجماً، التي استهدفها الانفجار الثاني وأدى إلى تدميرها بشكل شبه كامل وانتزاع سقفها من مكانه وسقوطه قربها. ولا بد من الإشارة إلى أن ما جرى مع ركاب الحافلة الثانية، وهو نزول عدد منهم قبل الانفجار لاستطلاع ما جرى أمامهم مع الحافلة الأولى، أدى إلى سقوط عدد أقل من الإصابات. وهذا الأمر يرجح إمكان أن التفجير حصل بواسطة أجهزة توقيت، لأنه من الواضح، من مكان وضع العبوات ومحتواها، أن الهدف كان إيقاع العدد الأكبر من الإصابات. وبالتالي، فلو كان التفجير عن بعد، لما كان المفجّر انتظر نزول بعض الركاب حتى يضغط على جهاز التفجير، بل كان فجّر العبوة فور وصول الحافلة الثانية إلى مكان الازدحام الناتج عن الانفجار الأول.



استهداف... المتن الشمالي
يضاف انفجار يوم أمس إلى الاستهدافات السبعة التي أصابت قضاء المتن الشمالي خلال العامين المنصرمين، وهي كالتالي: • 19 آذار 2005: انفجار سيارة مفخخة في محلة نيو جديدة يوقع 11 جريحاً. • 26 آذار 2005: انفجار سيّارة مفخّخة في محلّة سدّ البوشرية يوقع 6 جرحى. • 1 نيسان 2005: تفجير مركز تجاري وسكني في محلة برمانا يوقع 9 جرحى. • 12 تموز 2005: محاولة اغتيال الوزير إلياس المر بسيارة مفخخة في محلة انطلياس فقتل مواطن ، وجرح المر و12 آخرون. • 22 آب 2005: انفجار في محلة الزلقا يؤدي إلى سقوط 5 جرحى. • 12 كانون الأول 2005: اغتيال النائب جبران تويني بسيارة مفخخة في محلة المكلس ومقتل مرافقَيه وجرح 34 مواطناً. • 21 تشرين الثاني 2006: اغتيال الوزير بيار الجميل في محلة الجديدة ومقتل مرافق وجرح مواطنين اثنين.