فاتن الحاج
تختار والدة زياد طرّاف، في يوم الوفاء، الجلوس على كرسي مقابل ضريح شهيدها. تجهش الأم الثكلى في بكاء طويل. تساعدها دموعها على امتصاص «الحرقة». تحتضن «القرآن»، تقرأ الآيات وتدعو بصوت متقطع «الله كبير». يدنو أحد الأقارب من الحاجة دلال، يربت كتفها «الله يصبرك، ترضّي عليه، ويخليلك الباقيين». يعلو صوت أم زياد: «الله يرضى عليك يا رب». تلف أم الشهيد حول عنقها شال «المحكمة» الأزرق، علّ «الحقيقة» تشفي غليلها، أو على الأقل كما تقول شقيقة زياد كليمنص «الله ياخدلو حقو وحق كل العالم اللي راحوا». تأبى الأم مفارقة «حبيبها» قبل انتهاء المهرجان. تتجمع حولها الأسرة فتعيش لحظات من التأمل. يقرر الطفل عمر عبور الحاجز الحديدي لوضع العلم اللبناني وباقة من الورد على ضريح والده الشهيد.
استقطبت أمس خيمة ضريح الرئيس رفيق الحريري وأضرحة رفاقه منذ ساعات الصباح الأولى الشخصيات وذوي الشهداء. يضرب رجال الأمن الخاص طوقاً محكماً حول «المكان الأبيض» ويمنعون الإعلاميين من ولوج الخيمة. نسأل عن السبب ولا سيما أنّ المنظمين خصصوا في العام الماضي زاوية للتغطية الصحافية؟ يجيبون: «الوضع الأمني هذا العام مختلف وغير مسموح بالدخول سوى لتلفزيون المستقبل الذي وضع منصته داخل الخيمة». تقطع الأمل قبل أن يدعوك المنظمون مجدداً بعد ساعة من الوساطات. تدخل المكان من الجهة الرئيسية للخيمة حيث تستوقفك على اليمين الكراسي المخصصة لرجال الدين إلى جانب منصة التلفزيون حيث بدا أنّ هناك مشاركة واسعة لوفد من دار الفتوى. يلفتك مشهد الأضرحة المغطاة بالزهور البيضاء، وفق تنسيق عال، وصور الشهداء المنتشرة في أرجاء الخيمة. تشاهد بعض الأطفال في الداخل فتدرك بعد السؤال أنّهم من «المقربين». فابنة شقيق الشهيد يحيى العرب صفاء أتت برفقة والدها أبو حسن واصطحبت ولديها علي وشذا. تقول: «خسارتنا كبيرة والذكرى أليمة ويا ليتهم يدعوننا نحييها بسلام». ثم تستدرك «على فكرة أنا من سكان حي السلم». تتدخل الحاجة آمنة خضر فتقول «أنا زوجة المختار محمد نجدي وأنوب عنه، حضرت من عكار بالباص وجئنا من المتحف سيراً على الأقدام».
يبدأ وزراء ونواب قوى 14آذار بالتوافد باكراً لقراءة الفاتحة والصلاة قبل أن تتلقفهم وسائل الإعلام لأخذ التصريحات، فيما تصبح الذكرى مناسبة لتبادل الأحاديث الجانبية والقبلات والسلامات. الحادية عشرة إلاّ ثلثاً، يصل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة المكان من المدخل الغربي محاطاً بعناصر من الحرس الحكومي، ترافقه عقيلته هدى ووزير الشباب والرياضة أحمد فتفت. يقرأون الفاتحة لـ «رفيق الدرب» ويعرّجون على أضرحة رفاقه. يصافح وزوجته أم زياد، ويخرجون من المدخل نفسه. دقائق معدودة ويدخل شقيق «الرفيق» شفيق الحريري وعدد من أفراد العائلة. ثم تلتقي وزيرة الشؤون الاجتماعية نائلة معوض أرملة الراحل بشير الجميّل صولانج على الضريح، تتلوان الصلاة على روحه، قبل أن تضع معوض وردة حمراء. تلقيان التحية على مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين الذي يصادف وجوده في الخيمة، ثم تنضمّان إلى منصة المسؤولين الملاصقة للخيمة. يضيء رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس ووفد من المجلس البلدية شموعاً على ضريح الرئيس الحريري. الحادية عشرة والثلث تطل شقيقة الشهيد النائبة بهية الحريري برفقة زوجها مصطفى الحريري وابنتها. تغرورق عيناها بالدموع حزناً على «الفقيد الغالي» قبل أن تشارك في مهرجان الوفاء.
وبعدها يأتي الوزراء مروان حمادة وخالد قباني وجهاد أزعور، فيعلو الهتاف: «أهلاً بالشهيد الحي، أهلاً بالبطل». يزور النائب غسان تويني الضريح قبل أن يتوجه لإلقاء الكلمة الأولى في المهرجان.
الحادية عشرة والنصف، يحضر رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط وهو يحمل بيده خطابه. يمنع حرسه الخاص الناس من الاقتراب. يخرج ثم يعود قبل دقائق من وصول رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري فيتبادلان القبلات. يقترب أحد المناصرين «اشف لنا غليلنا». يرحب جنبلاط بطلب بعض الأطفال التقاط الصور التذكارية بواسطة الهواتف الخلوية.
الثانية عشرة والنصف وخمس دقائق يصل «الشيخ» مصحوباً بدعاء «الله يحميك، الله يبرّد قلبك».
ينتظر الحضور والإعلاميون رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع عند الضريح في نهاية المهرجان، بعدما نمي أنّ أمنه بات في الداخل، لكنّ «الحكيم» شاء ألاّ يعرّج على «المكان الأبيض».
وبعد انتهاء المهرجان، زار الضريح وفد من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية.