أحب الحياة! لكن هكذا حياتي...
  • مازن يونس، «رايح إتغدا»


    كثُر الحديث عن حب الحياة، وأنا شاب يحب الحياة، طبعاً الحياة بعزة وكرامة... ولكن أثار إعجابي تلك اللافتات الحمراء التي ترشدني إلى ماذا «بدي أعمل». فعلاً إن تلك اللوحات الإعلانية تلفت النظر والانتباه، الانتباه إلى المثل المشهور «اسمع تفرح، جرب تحزن»، فأنا شاب بات برنامجي اليوميّ يتمحور على النحو الآتي:
    «بدي أدرس» لكن على ضوء الشمعة! أين المشكلة؟ لقد اعتدنا على ذلك ولا داعي للتطور لأن «الذي يغير عادته تقل سعادته»
    ثم «رايح اتعشا» خبز وزيتون... آملاً ألا يزول الخبز قريباً عن لائحة هذا العشاء المغري...
    وبعد العشاء ليش لذلك الشاي، الشاي المفتفت المحلول بمياه ثكنة مرجعيون من مثيل...
    ثم «رايح إسهر... سهرة غير شكل» على أرصفة الطرقات، وإن حالفني الحظ فقد أصل إلى رصيف من أرصفة شارع مونو أو يرقى بي الحظ الى رصيف من أرصفة شارع الجميزة، لربما أحظى بنظرة من فتاة حسناء من كوكب لبناني آخر.
    ثم «رايح إتسكع»... مع فتاة قد أغراها ثوبي اللماع وهاتفي الرنان وشعري المبلل، ولربما يكون ذلك ضرورياً ليساعدني على التنفيس عن الضغوط اليومية.
    ومن بعدها «رايح أعمل دوش»... وبالتأكيد بمياه باردة، لأن الكهرباء والمياه الساخنة مادتان سامتان للحياة... والحكومة حريصة على صحة المواطنين!
    ثم «رايح نام» أو أحاول أن أنام دون أن أنجح! وكيف أنجح وأنا أفكر «بالنسبي لبكرة شو» (بالإذن من الفنان زياد الرحباني)
    وإن استطعت أن أنام، فبالتأكيد «رح فيء» في اليوم التالي على شِجار الجيران على المياه. ولكوني شاباً يحب أن تسود السعادة في المحيط، «رايح فضّ المشكل»! وقد يمكن أن يصلني بغض الكدمات الطائشة، لكن سوف يهون ذلك فداء للحياة! «ما أنا أحب الحياة».
    وبعد أن أطمئن إلى استقرار «الهدوء النسبي» في الحي السعيد بالحياة الرغيدة، «رايح عالشغل»... لأن البلد «ما بيمشي» من دون شغل، والحياة أيضاً «ما بتمشي» من دون شغل. والحمد لله! «البلد ماشي» (إلى الهاوية بظل هذه الحكومة)، و«الشغل ماشي» (بس في دولٍ أخرى بالتأكيد).
    وما بين «الروحة» و«الروحة»، من الممكن أن أقع في عدد من زحمات السير فتشجعني على حب الحياة أكثر فأكثر.
    ومن الممكن أن يوقفني بعض الشباب على حاجز من هنا ومن هناك، لكن أين المشكلة؟ فهؤلاء الشباب هم مثلي يحبون الحياة، ويحبون التسلية... لكنهم يقولون: «ما في شغل» (في لبنان) ليتسلوا! فيتسلون بالناس!
    «يروحو ياخدو أرجيلة؟!»... أين تعيشون؟... فهؤلاء لا يملكون المال ليذهبوا ويحبوا الحياة في «Grand Café» أو «Petit Café» أو أي مقهى من أي حجم كان.
    ومن الممكن أيضاً أن أعرج على بعض التجمعات أو التظاهرات على طريقي للعمل. فأنا شاب معاصر يتابع الموضة والحداثة، والتظاهرات وأعمال الشغب هي الحديث الشاغل في هذا الموسم... أتريدون أن يقولوا عني إنني شاب «معقدّ»، كلاسيكي، أو «بيتوتي» وليس لديّ رأي في ما يجري حولي!؟ «فشروا»! وعلى قاعدة «من حَضرَ السوق باع واشترى» يصبح «من حضر المظاهرة ضرب وانضرب»... وهكذا من الممكن أن تنتهي التظاهرة مع انتهاء دوام العمل، والسؤال يطرح نفسه: «إلى أين؟» طبعاً إلى المنزل.
    ومن الممكن في طريق العودة إلى المنزل، أن يكون الشباب من الطرفين قد اشتبكوا، فيقطع الجيش الطريق ويعلن حظر التجوال، فأعلق في منطقة نزاع قبائلي طائفي مغلقة عسكرياً... من المؤكد أنني سوف أغضب كثيراً، أشتم الجميع، أخلع إطارات سيارتي، أحرق سيارتي غضباً والإطارات طبعاً (فما حاجتي للإطارات من دون السيارة؟)... وأعود سيراً على الأقدام إلى المنزل. وكان الله يحب المحسنين!
    وهكذا أكون قد أثبت أنني أحب الحياة، مثل كل الشباب في هذا البلد.
    رغم كل هذه الأحداث «رح ضل هون، ومش فالل»... لكن إذا بقيت الأحوال على هذا النمط لأربعة أو خمسة أسابيع، «رايح علعصفورية» أو «رايح إنتحر» فداء للحياة! واذكرونا بالخير...
    لكن من أهم الأشياء أن لا تيأسوا، بل أن تثابروا على حبكم للحياة، كل واحدٍ على طريقته... عفواً! أقصد على طريقة حزبه، ومنطقته، وزعيمه، ودينه، وطائفته، وأبيه، وأمه، وصاحبته، ورجاله، والدول الأجنبية ملكه (مع التركيز على كلمة «ملكه»)، وعلى طريقة كل الألوان الفسيفسائية...