strong>ابراهيم عوض
اقتراح بالعودة إلى إجراء كرامي القاضي بحصول السفير على إذن قبل إدلائه بتصريح

اتهم وزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ في معرض انتقاده للمواقف التي أطلقها السفير الأميركي جيفري فيلتمان بعد زيارته الأخيرة لرئيس «كلتة المستقبل» النيابية سعد الحريري فيلتمان «بالتدخل في الشؤون اللبنانية وانتهاكه الأصول التي ترعى عمل السفراء في البلدان المضيفة، وتحديداً لمعاهدة فيينا للعلاقات الديبلوماسية».
وفيما أثار كلام صلوخ، الذي استغرب فيه «استغلال بعض السفراء الأجانب منابر لبنانية لإطلاق مواقف سياسية»، تساؤلات عن مضمون هذه المعاهدة وإذا ما كان السفراء المعتمدون في لبنان يلتزمون قواعدها، تبين أن أهم ما في هذه المعاهدة ما ورد في مادتها الـ 41 التي تنص ما حرفيته: «دون المساس بامتيازات وحصانات المبعوثين الدبلوماسين يبقى من واجب الأشخاص المتمتعين بالحصانات والامتيازات أن يحترموا قوانين وأنظمة البلدان المضيفة. كما أن من واجبهم عدم التدخل في الأمور الداخلية لهذه البلدان».
ويستشف من هذه المادة وما جاء في تصريح صلوخ أن فيلتمان ارتكب مخالفة أساسية وفقاً للمعاهدة، خصوصاً أن وزير الخارجية المستقيل أتبع اتهامه له بسرد حيثياته، إذ وصف كلامه بـ«الناري» ورأى فيه «تحريضاً من قبله على أطراف لبنانيين واطلاقه احكاماً وتحليلات متدخلاً في ذلك في شؤون لبنان الداخلية وفي تحقيقات دولية (جريمة اغتيال الحريري) وهو أمر غير مقبول».
وإذا كانت معاهدة فيينا لم تنص على كيفية تعاطي الدولة المضيفة للسفير عند ارتكابه مخالفة والإجراءات التي بإمكانها اتخاذها بحقه وأناطت الأمر «بقوانين وأنظمة البلدان المضيفة»، فإن أعرافاً دبلوماسية تبدو أكثر وضوحاً، إذ رسمت إطاراً لتحرك السفراء أساسه الرجوع إلى وزارة الخارجية التي يعود إليها وحدها تنظيم الأصول التي ترعى عملهم، بمعنى أن لقاء السفير مع أي مسؤول في الدولة لا يمكن أن يتم إلا من خلال هذه الوزارة التي تتلقى طلباً بذلك وتتخذ الإجراءات المناسبة بشأنه.
ويقول دبلوماسي لبناني مخضرم لـ«الأخبار» إن هناك دولاً تفرض على الدبلوماسيين المعتمدين لديها الراغبين في الحصول على «خط تلفون» أو اشتراك في الكهرباء أن يتقدموا بطلباتهم عبرها. أما في ما يتعلق بالتدابير التي يمكن اللجوء إليها حين يتجاوز السفير حدوده فتتراوح وفقاً للأعراف الدبلوماسية أيضاً، بين لفت النظر عبر رسالة خطية أو شفهية، أو تحذير، وصولاً إلى حد اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، وبالتالي الطلب إليه مغادرة البلد المنتدب اليه».
اين لبنان من هذه المعاهدة الدولية ومن الضوابط التي تحد من جنوح هذا السفير أو ذاك وتماديه في التدخل بالشؤون اللبنانية حتى بات أشبه بالمندوب السامي؟
الوزير صلوخ يسارع إلى رمي الكرة في ملعب الدولة التي «استوطت حيطها» وغضت الطرف عما يفعله بعض السفراء الذين يدخلون دوائرها أحياناً من دون استئذان. وتساءل «ما إذا كان بإمكان سفير لبنان في واشنطن أن يلتقي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ساعة يشاء»، موضحاً أن «مثل هذا اللقاء يتطلب الكثير من الإجراءات والترتيبات وتتحكم به الضرورة وحدها». وفيما لفت صلوخ إلى «أن السفراء العاملين في الكونغو وأنغولا لا يتمتعون بربع ما يتمتع به زملاؤهم في لبنان»، أكد أن «ما من دولة في العالم يسمع فيها صوت السفير كما هي الحال في لبنان». وكشف «أن عدداً من البلدان تحدد للسفير المسافة التي بإمكانه أن يقطعها خارج العاصمة التي يعمل فيها». وذكّر بأنه «عام 1988 خلال توليه مديرية الشؤون الاقتصادية في الخارجية بعث بمذكرة إلى السفراء المعتمدين في لبنان يلفتهم فيها إلى ضرورة التقيد بالمعاهدة الدبلوماسية التي أقرت في فيينا».
وإزاء ما تقدم تقترح أوساط سياسية ودبلوماسية العودة إلى الإجراء الذي اتخذه الرئيس عمر كرامي خلال ترؤسه الحكومة أواخر عام 2004 القاضي بمنع السفراء من التحدث إلى الصحافيين في السرايا قبل الحصول على إذن مسبق من رئاسة الحكومة. وجاء هذا التدبير بعدما عرض وزير الخارجية والمغتربين حينذاك محمود حمود الموضوع على مجلس الوزراء، أصدر اثره تعميماً ذكر فيه البعثات الدبلوماسية بالمادة 41 من اتفاقية فيينا، طالباً إليهم مراعاتها في أعمالهم ونشاطاتهم.
وتذكّر هذه الأوساط كيف استهل السفير الفرنسي برنار ايمييه حديثه إلى مندوبي وسائل الاعلام بعد لقائه كرامي في السرايا عقب تبلغه التعميم المذكور، بالتوضيح انه استأذن الأخير في الكلام. ومن هنا تسأل الاوساط السياسية والدبلوماسية: هل يقدم السنيورة على ما فعله كرامي أم أن لفيلتمان وايمييه حظوة ما بعدها حظوة؟