زحلة ــ نقولا أبو رجيلي
يشكو مواطنون في البقاع من نقص الرقابة على محال بيع اللحوم في منطقتهم، ما يعرّض أوضاعهم الصحية للخطر، فيما تؤكد مصادر مصلحة الصحة أن هذه المحال تخضع للمتابعة وأن المخالفات تُقمع

يبدو أن المشكلات الأمنية في لبنان لا تقتصر على الجوانب الجنائية والإرهابية، التي تُشعِر المواطنين بالقلق على حياتهم ومستقبلهم، بل تتعداها إلى الأمن الاجتماعي بشكل عام، والغذائي منه بشكل خاص، في ظل «شبه انعدام» للتنظيم والرقابة الضروريين للحفاظ على صحة المواطنين وحياتهم. وإذا أخذنا المناطق الريفية البعيدة عن العاصمة، والتي يشكو أهلها من إهمال على كل الصعد كالبقاع مثلاً، فمن السهولة ملاحظة الفوضى التي تسيطر على محال بيع اللحوم في مختلف البلدات والقرى، في وقت تشهد فيه «تجارة» بيع اللحوم «رواجاً» منقطع النظير في مختلف أنحاء المنطقة. فأكثر هذه المحال تعاني عدم التزام أصحابها أدنى الشروط والمواصفات الصحية، ما يثير الشكوك والمخاوف لدى المواطن ــ المستهلك في ظل غياب المراقبة الرسمية الدقيقة التي تؤدي إلى قمع المخالفات، والتي تفرض على أصحاب المحال التزام الحد الأدنى من المعايير الصحية الصادرة عن وزارة الصحة، والتي يُعطى بموجبها أي ترخيص لبيع اللحوم أو ذبحها في الأماكن المخصصة. ففي المدن الرئيسية، يجب على بائعي اللحوم ذبح الماشية في «مسلخ» يخضع للمراقبة الصحية، على أن يستخدم أصحاب «الملاحم» في القرى، لذبح العجول والأغنام، أماكن وأبنية ذات مواصفات تسمح بتفادي تعرّض اللحوم للأوساخ والتقاط الجراثيم المسببة للأمراض. إلاّ أن العديد من المحال غير خاضعة لهذه الشروط الصحية، إذ يعمد أصحابها الى ذبح المواشي داخل «ملاحمهم»، ثم «يعلقون» اللحوم خارج المحال، وبمحاذاة الطرق العامة، ما يعرّضها لالتقاط الغبار والملوثات.
ويأسف «أبو مروان»، صاحب ملحمة تحوز المواصفات الصحية في مدينة زحلة، لـ«عدم اكتراث المستهلك للشروط الصحية، مفضّلاً التركيز على الأسعار فقط». ويضيف أن المخالفين يبيعون أكثر من ملتزمي القانون، لأن التكلفة التي يدفعها المنضوون إلى الفئة الثانية، كضرائب وأجرة عمال ومسلخ، تلزمهم بوضع تسعيرة مرتفعة، فيما المخالف يقوم أحياناً بشراء ذبائح مسروقة، عدا عن ذبح البقرة المسنّة على أساس انها لحم عجل «ضان». وهذا ما يضطر «القانونيين» الى رفع سعر كيلو لحم العجل الى 11 ألف ليرة، مقابل 7 آلاف ليرة في «الملحمة» غير الشرعية، وسعر كيلو لحم الغنم 18 ألف ليرة مقابل 13 ألف ليرة. ويشكو «أبو مروان» من دفع مبلغ 50 ألف ليرة لبنانية شهرياً لمسؤول المسلخ في المدينة، «مع العلم انني لا أذبح في المسلخ. وفي حال عدم الدفع يهددني بإخبار لجنة المراقبة في القضاء، والتي بدورها لا تنفك وبصورة دائمة تراقب محالنا، مهملةً الملاحم غير المؤهلة والتي تقوم بمنافستنا».
ويقول مواطن أُصيب بالتسمم جراء تناوله لحوماً من «ملحمة» غير مرخصة في قريته، إنه تعرّض وأولاده لحالة تسمم كادت تودي بحياتهم «لولا العناية الإلهية» بعد دخول المستشفى للمعالجة. وبنتيجة الفحوص الطبية «تبيّن ان التسمم ناتج من فساد في اللحوم» التي كانوا قد تناولوها. واستغرب «عدم قيام هيئة المراقبة في وزارة الصحة بضبط المخالفات قبل حصول حالات تسمم تصيب المواطنين».
مصدر في مصلحة الصحة في البقاع أبلغ «الأخبار» انه تتم «متابعة أوضاع الملاحم بشكل دوري ومنتظم، وتوجيه إنذارات الى المخالفين، علماً بأن إحدى المدارس في البقاع الأوسط تقدمت بدعوى قضائية ضد أحد أصحاب الملاحم لإقدامه على رمي بقايا الذبائح بالقرب من المدرسة الرسمية، ما تسبب بانبعاث الروائح الكريهة. وهي موضوع متابعة من القضاء حالياً».
ولكن «فوضى» بيع اللحوم في البقاع، وتحديداً في منطقة زحلة، فتحت الباب واسعاً أمام السؤال عن سبب «استمرار» إقفال المسلخ الحديث في زحلة، والذي شيّد منذ سنوات، ولم يبدأ العمل فيه بحجة قربه من مكب النفايات الذي أُزيل منذ أكثر من سنتين، فيما «المسلخ» يستخدم حالياً مرأباً لسيارات تجميع النفايات.