عرفات حجازي
لا جديد يمكن الحديث عنه في شأن الاتصالات الجارية بخصوص المخارج المحتملة للوضع السياسي القائم، فالمشاورات المستمرة على غير مستوى وصعيد دخلت مجدداً في مسار صعب ومعقد وفي حال مراوحة، بعدما اصطدمت جهود الوسطاء بالشروط المتبادلة بين طرفي الأزمة، ما أرخى ظلالاً من الشك على الآمال التي ظهرت خلال الأيام المقبلة الماضية.
فالمفاوضات التي كانت تجري بسرية كاملة بين موفدين عن الرئيس نبيه بري وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري للوصول إلى مخارج ممكنة للأزمة السياسية توقفت بانتظار عودة الأخير من الرياض التي انتقل إليها فجأة في زيارة عمل، على ما أفاد مكتبه الإعلامي، ما أوحى بأن تطوراً مهماً حصل في المحادثات التي أجراها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي لاريجاني مع نظيره السعودي الأمير بندر بن سلطان في شأن تذليل العقد التي تتحكم بمسار الأزمة اللبنانية.
وتفيد معلومات مستقاة من مصادر دبلوماسية سعودية أن زيارة الحريري العاجلة إلى المملكة هي لإطلاعه على نتائج المسعى الإيراني ــ السعودي المشترك ليبني على أساسها مواقفه. وسّربت هذه المصادر أن هناك نتائج طيبة ومشجعة ستبدأ تباشيرها في الظهور قريباً، لافتة إلى أن تطور العلاقات بين السعودية وإيران وتنسيق المواقف بينهما سينسحب على مجمل قضايا المنطقة وملفاتها، وأدرجت في هذا الإطار زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران والمحادثات التي أجراها مع كبار المسؤولين الإيرانيين حول المواضيع الإقليمية وفي صدارتها الملف اللبناني والتقدم الذي أحرزته إيران والسعودية في تفكيك عقده ومدى الاستعداد السوري للسير في التفاهمات التي حصلت حول المحكمة ذات الطابع الدولي بعد إدخال التعديلات والتوضيحات التي تطالب بها المعارضة على نظامها الداخلي وإخضاعها للآليات الدستورية والحؤول دون استخدامها أداة ضغط وابتزاز وتوظيف لتصفية حسابات وخدمة لمشاريع تعد للمنطقة بما يتعدى التحقيق وكشف الحقيقة.
وكشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن الاتفاق كان تاماً بين طهران ودمشق على وجوب حفظ الاستقرار الداخلي في لبنان وعدم تعريض سلمه الأهلي لأي اهتزاز، والعمل بكل الوسائل لدرء الفتنة المذهبية وما تشكله من مخاطر على امتداد المنطقة، كما أن البلدين على استعداد لدعم أي حل أو تسوية يتوصل إليها الأطراف المتنازعون بعيداً من الإملاءات والضغوط الأجنبية.
وقالت هذه المصادر إن سوريا أبدت تجاوباً مع التفاهم السعودي ــ الإيراني على إدخال صياغة جديدة للسلطة السياسية على قاعدة المشاركة الوطنية التامة في الحكم وعلى حفظ الوفاق الداخلي، وحفظ المقاومة ودورها، والعمل على إعادة بناء علاقات أخوية راسخة بين لبنان وسوريا وتطبيع الوضع بينهما رغم كل ما راكم هذا الملف من تشنج وتوترات.
وفي معلومات المصادر الدبلوماسية أن جزءاً أساسياً من المحادثات ركز على تحسين العلاقات السعودية ــ السورية، وأن الرئيس الأسد أظهر كل استعداد لإعادة الدفء إلى العلاقة مع الرياض والقاهرة، وإزالة حال الفتور والجفاء، وأن الأسد ما زال على اقتناع بأن التنسيق بين الرياض والقاهرة ودمشق يشكل رافعة العمل العربي المشترك وحضانته، وأنه على استعداد لتعزيز هذا المحور لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة.
وفي موازاة الإشارات الإيجابية الملتقطة من المحادثات الإيرانية ــ السورية والإيرانية ــ السعودية، ستتواصل قريباً في الداخل حركة المشاورات بين الرئيس بري المتسلح بتفويض سياسي متجدد من أركان المعارضة، وفريق الرابع عشر من شباط، وعلى رأسه النائب الحريري، المتعلقة بعقدتي المحكمة والحكومة. وفيما تميل المعارضة إلى تغليب فرضية أن التفاهم الإيراني ــ السعودي حسم مسألة الحكومة الوطنية بثلث ضامن لها وأن الرفض الذي يبديه أركان فريق السلطة لهذا التفاهم سيضع الحريري أمام خيارات صعبة، خصوصاً بعد تأكيد الرئيس بري باسم المعارضة انفتاحه على مناقشة بنود مسودة المحكمة ذات الطابع الدولي بروح إيجابية من خلال تشكيل لجنة حقوقية من الطرفين لدرس الملاحظات عليها، ومن ثم التفاهم على الضمانات لإقرارها في المؤسسات الدستورية. لكن جهات في الأكثرية زارت السفير السعودي عبد العزيز الخوجة وأبلغته رفضها لصيغة الحكومة التي تطالب بها المعارضة وفيها الثلث الضامن، وإن هذا الشرط سيمنع الوصول إلى أي اتفاق، وبالتالي لا مبّرر لأي لقاءات تعقد في الداخل أو في الخارج. وأكد فريق الأكثرية للسفير السعودي أنه حريص على التعامل بمرونة مع المسعى السعودي، لكنه لا يريد تكرار الوقوع في الخطأ السابق عندما رُفضت المبادرة السعودية، ثم تم الاعتذار عن ذلك في ما بعد، والموقف نفسه أُبلغ إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، بخاصة من رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سميرجعجع، وإن الرئيس السنيورة وافقهما الرأي على أنه ليس في وارد القبول بأي صيغة غير الصيغة التي طرحها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أي صيغة «الوزير الملك».
وفي انتظار أن تتكشف نتائج الاتصالات الإقليمية والدولية، تعرب أوساط المعارضة عن تحفظها عن إمكان التوصل إلى حلول قريبة، متهمة الأكثرية بعرقلة البحث في حل على أساس المقايضة بين المحكمة مقابل الحكومة، وهذا ما سيدفع بالمعارضة لاحقاً إلى تصعيد خطواتها، ومن بينها إعلان العصيان المدني مع ما يترتب على هذه الخطوة من مفاعيل كارثية يتحمل مسؤوليتها فريق السلطة الممعن في سياسة المكابرة والاستئثار.