جوزف سماحة
السياسة الأميركية حيال الوضعين الفلسطيني واللبناني تملك سمات مشتركة:
أولاً ـــــ تعيّن واشنطن قوى شعبية وازنة وذات مشروعية بصفتها عدوّاً وجزءاً من محور التطرّف الإرهابي الذي يفترض خوض حرب حاسمة ضده. لا مشكلة مباشرة بين «حماس» والولايات المتحدة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى «حزب الله». لكن الاستعداء ناجم عن الانعطافة العدوانية في السياسة الأميركية أولاً، وعن مركزية العلاقة مع إسرائيل ثانياً. وإذا كان ممكناً لنا، تجاوزاً، أن نجد أسباباً للخطاب الأميركي عن الموقع العراقي في الحرب الكونية على الإرهاب، بحكم التورّط الأميركي هناك، فما من مبرّر أميركي مباشر لسحب هذا الخطاب على لبنان وفلسطين.
ثانياًَ ـــــ تقترح الإدارة على القوى المحلية «المعتدلة» أو «المسؤولة» (حسب آخر التسميات) مهمّات تفيض عن قدرتها على التنفيذ، هذا إذا كانت راغبة. يمكن أن نحسم في أن محمود عباس يفضّل فلسطيناً من دون «حماس»، وفؤاد السنيورة يتمنّى لبناناً من دون «حزب الله وسلاحه». لكن هذا شيء والإقدام على المواجهة الحاسمة شيء آخر يكاد يقارب الاستحالة. والملاحظ، في الحالتين المشار إليهما، أن الاحتلال الإسرائيلي فشل وكذلك العدوان الأخير على لبنان (فضلاً عن تعثّر الاحتلال الأميركي للعراق)، ومع ذلك فإن المطلب الأميركي لم يتغيّر، مرّة باسم «خريطة الطريق» و«شروط الرباعية» (الأجدى أن يقال «وصيّة الرباعية» لأن اللجنة في حكم الميتة) ومرّة باسم القرارين 1559 و1701.
ثالثاً ـــــ تقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية وعسكرية لـ«قوى الاعتدال» ما دامت في صراع مع «قوى التطرّف». هذا ما حصل أثناء مواجهات غزة. وهذا ما حصل في مؤتمر باريس ـــــ3. لكن عندما يبدو أن «المساعدة» الأجدى تكون بدفع إسرائيل نحو التراجع، تصبح واشنطن متردّدة أو رافضة. لقد أمضت الإدارة الحالية ست سنوات وهي رافضة لـ«فتح أفق سياسي» أمام ياسر عرفات ثم أمام محمود عباس وحكومة «فتح» ثم أمام محمود عباس وحكومة «حماس» والآن، على الأرجح، أمام محمود عباس وحكومة الوحدة الوطنية. ويقال الأمر نفسه بالنسبة إلى لبنان حيث بحث «مزارع شبعا» والخروق الإسرائيلية من المحرّمات حتى لو أعطي دور للقوات الدولية والأمم المتحدة.
رابعاً ـــــ عندما يكون الوضع فاقعاً إلى هذا الحد يصبح صعباً الحديث عن مجرد «أخطاء». يبدو أن واشنطن تفضّل الفوضى في فلسطين ولبنان على سلم أهلي مشروط بجمع «قوى الخير» و«قوى الشر» في حكومة وحدة وطنية. ستجد واشنطن صيغة لمقاطعة حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين. هذا ما أعلنه إيهود أولمرت على لسان جورج بوش، ولو أن رايس ارتأت تأجيل موقفها. وهذا ما يحصل في لبنان حيث يتدخل السفير جيفري فيلتمان ميدانياً، ويدعمه أركان الإدارة بالتصريحات، لقطع الطريق على أي تسوية داخلية متوازنة حتى لو كان البديل إبقاء الأزمة مفتوحة. لقد بات مشروعاً، في لبنان، طرح السؤال عمّا إذا كانت واشنطن ترضى ببنود التسوية التي تطرحها الأكثرية النيابية والحكومية. فهذه التسوية قد تبدو في نظر الأميركيين غير استئصالية كفاية، فكيف إذا أضيف إليها البيان الوزاري القائم، وأحيلت قضية السلاح على «الحوار الداخلي»، وغلّبت ضرورات السلم الأهلي على سواها. ويمكننا أن نضيف أن قوى لبنانية معينة لا تجد مصلحة لها في هذه التسوية فضلاً عن حل يلبّي مطالب المعارضة.
لقد رفض جورج بوش مشروعاً أميركياً لتسوية شاملة في المنطقة تقفل الملفات المفتوحة وتمتنع عن فتح غيرها. كان هذا هو جوهر ما اقترحه تقرير بيكر ـــ هاملتون وهو تقرير يفترض أن على إسرائيل أن تساعد أميركا في الخروج من المأزق العراقي مقابل الخدمة التي حصلت عليها بتدمير الدولة العراقية.
اختار جورج بوش بدلاً من ذلك استمرار المواجهة الاستراتيجية التي يخدمها تكتيك التظاهر بتحريك المفاوضات على المسار الفلسطيني. لكنه تكتيك يندرج تماماً في السياق الاستراتيجي لأنه يمر ببوابة إلزامية هي الاقتتال الفلسطيني. «اتفاق مكّة» جمّد الاحتراب. التكتيك سقط أو كاد. محور الاعتدال قد يفقد ورقة التوت... وهكذا يضطر العدوان إلى أن يستمر... عارياً!