نقولا ناصيف
تكاد تكون الانطباعات المترجّحة بين الإيجابية والسلبية من جهود حل المشكلة اللبنانية أشبه برقّاص ساعة. ليس في وسع أيّ مرجعية أو جهة الركون الى ما يبلغ مسامعها. وأغلب الظن أنها لا تتوهم الحل سهلاً ومحلياً. في هذا الإطار، اتسعت دائرة التكهنات حول ما أفضت إليه الاجتماعات السعودية ـــ الإيرانية والسورية ـــ الإيرانية. وبات رقّاص الساعات الأخيرة أكثر جنوحاً لاستكشاف مراحل تطبيع العلاقات السعودية ـــ السورية.
يعكس هذا الانطباع مؤشّران لمستهما محافل رسمية لبنانية:
أولهما: تأكيد مسؤولين سعوديين كبار أن دعوة رسمية ستوجّه الى الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية في الرياض نهاية الشهر المقبل، وأن الملك عبد الله سيكون في مقدم مستقبليه بما يعبّر عن أكثر من تطبيع بارد لعلاقات البلدين.
وثانيهما: المعلومات الدبلوماسية التي بلغت الى المراجع الرسمية ذاتها، ومفادها أن المملكة حريصة على إنجاح القمة بين ظهرانيها، الأمر الذي يحملها على تجاوز كثير من تحفظاتها السابقة حيال الأسد، وخصوصاً أن الأخير هو أبرز اللاعبين المؤثرين في جدول أعمال القمة، وتحديداً الملفات الأربعة الأشد سخونة، وهي: العراق، فلسطين، لبنان والعلاقات العربية ـــ الإيرانية. وفي غياب سوريا لأسباب شخصية، قد تنطوي على حجة مقنعة للعرش السعودي للتمسك باستيائه ونفوره، فإن أياً من هذه الملفات لن يجد صدى إيجابياً لإنجاح الحلول التي تأمل المملكة في الحصول على دعم القمة العربية لها بغية تحقيق استقرار الدول المعنية بالملفات الشائكة هذه.
لكن رقّاص الساعة ليس نفسه لدى دبلوماسي غربي بارز في بيروت. فهو يقارب نتائج الاجتماعات السعودية ـــ الإيرانية والسورية ـــ الإيرانية بحذر، ويبدو أكثر اهتماماً بمراقبة الموقف السوري من تردّي الوضع في لبنان، ومسؤولية دمشق عن العراقيل التي تواجه إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهو إذ يوّجه انتباهه الى سلسلة لقاءات رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر لاريجاني في الأسابيع الأخيرة، يلاحظ في الوقت نفسه أنها افتقرت الى الشفافية لعدم كشف الرجلين مداولاتها والتحقق من مدى وجود تعاون إيراني لتحقيق الاستقرار في المنطقة ومساعدة الجهود الدولية لحل الأزمة اللبنانية. على أنه سجل بضع إشارات قد تنطوي، في اعتقاده، على بعض هذه الجهود وإن كانت غير كافية:
1 ــــــ إن إيجابية حصول حوار سعودي ـــــ إيراني حول لبنان في بعض جوانبه، تعبّر عن استعداد أفرقاء إقليميين، خارج نطاق مجلس الأمن، لمؤازرة الحكومة اللبنانية. ويرى أن واشنطن والمجتمع الدولي اللذين اعترفا بشرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لانبثاقها من انتخابات نيابية حرة أجريت في لبنان في أيار وحزيران 2005. حدّدا المرجعية الدستورية اللبنانية التي ينبغي دعمها أنّى أتى هذا الدعم.
2 ـــــ لا تزال واشنطن ترسل انتقادات قاسية الى سوريا، وآخرها دعوة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس دمشق الى التصرّف على غير ما تفعل في الوقت الحاضر في لبنان، ومساعدة لبنان في ضمان استقراره. ويميّز هذا الموقف، بحسب الدبلوماسي الغربي البارز، تيقّن واشنطن من أن النظام السوري لا يزال عنصراً غير مساعد في لبنان «إلا إذا أقنعها أحد بالتعامل تعاملاً مسؤولاً مع المجتمع الدولي». ويشير الى أن موقفاً كهذا لا يقتصر على الأميركيين، بل إن مجلس الأمن عندما صوّت بإجماع أعضائه على القرار 1701 ـــ وبين هؤلاء ممثلون لدول عربية ـــــ قد وجّه رسالة متشددة الى النظام السوري نصّ عليها القرار نفسه، وهي حضّه على احترام سيادة لبنان. الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.
3 ـــــ تعرف الإدارة الأميركية أن صلب المشكلة اللبنانية في الوقت الحاضر هو المحكمة ذات الطابع الدولي، وتنتبه إلى التجاذب الداخلي الدائر حول مشروعها بين منادين بإقراره فوراً ومتمهلين في ذلك. وتتوقف أيضاً عند السجال الدائر حول إمكان اللجوء الى أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإقرار مشروع المحكمة إذا أخفقت المؤسسات الدستورية في التصويت عليه. لكن المعادلة الرئيسية التي يقوم عليها الموقف الأميركي ـــــ يضيف ــــــ هي الآتية: «اللجوء الى الفصل السابع احتمال متروك للمستقبل، لكن ما يود الأميركيون والمجتمع الدولي إبصاره في لبنان في مدى قريب، وبلا عقبات، هو توصّل طرفي النزاع الى إقرار المشروع في مجلس الوزراء ومجلس النواب، وبحسب الإجراءات الدستورية النافذة في هذا البلد و«ليس أي شيء آخر».
4 ـــ يتفادى الدبلوماسي الغربي البارز رسم حدّ أقصى لصبر المجتمع الدولي على الأفرقاء اللبنانيين لإقرار مشروع المحكمة الدولية «ومع أن الجميع يعرف أن القرار في ذلك هو لمجلس الأمن، فإن الأخير يبدو حذراً للغاية في اللجوء الى الفصل السابع، نظراً لقوّة أحكامه. وقد يكون هذا سبب تجنبنا له وتحبيذنا في كل حال حصر الأمر بموافقة السلطات الدستورية اللبنانية وحدها». ويرى أن الأمم المتحدة وأمينها العام السابق كوفي أنان وقّعا الوثائق وأتمّا ما هو مطلوب منهما، إلا أنه لا يجد مبرراً لتأخر الفريق الآخر، الذي هو المؤسسات الدستورية اللبنانية، في إقرار المشروع. ولا يبدو في المقابل واثقاً من أن الفصل السابع خيار جدي ووشيك.
5 ــــــ في معرض تسجيله مآخذ على رئيس المجلس نبيه بري لعدم دعوته البرلمان الى الانعقاد للتصويت على مشروع المحكمة الدولية، يستشهد الدبلوماسي الغربي بما يورده الدستور الأميركي، وهو أن الديموقراطية هي ملك جميع الناس. واستناداً الى سلسلة مواقف تجمعت لديه، يقول إن «أحداً في لبنان لم يقل حتى الآن أنه ضد المحكمة في المطلق. هناك من قال إنه معها في المطلق كالحكومة اللبنانية وسعد الحريري وأمين الجميل ووليد جنبلاط وسمير جعجع. ومن قال إنه معها، لكن بتحفظ، كحزب الله وميشال عون. كذلك قالت سوريا أخيراً إنها مع المحكمة الدولية مع أننا نعتبرها عنصراً معطلاً. وما دام الأمر، كذلك فليناقشها البرلمان اللبناني من أجل أن تكون الديموقراطية في النظام كما يريدها الشعب».
يستطرد في طرح تساؤلاته: «الغريب في الأمر أن المجتمع الدولي يدعم المحكمة بعدما أطلق الشعب اللبناني الدعوة إليها على أثر اغتيال الرئيس الحريري، وطالب بتحقيق دولي لمعرفة قتلته ومحكمة دولية لمحاكمتهم وإنزال العقاب بهم. يحصل ذلك كله بينما إقرار مشروع المحكمة يتوقف على صلاحية رئيس البرلمان الذي لا يدعو الى التصويت عليه».