طارق ترشيشي
تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بكشف معرقلي المساعي الهادفة إلى حل الأزمة السائدة بين فريق السلطة والمعارضة، يطرح سؤالاً مفاده: هل طفح كيل بري من أركان 14 آذار الذين كانت منهجيتهم إزاءه على مدى عامين شأن منهجيتهم في المال العام على طريق الاستدانة وأخذ السُّلَف، إذ إنهم تعاملوا معه بالمنهجية نفسها وراح يسلفهم على الحساب؟
المطلعون على موقف الرئيس بري يعددون السلف التي حصل عليها أركان 14 آذار بالآتي:
ــــــ السلفة الأولى، مشاركته (أي الرئيس بري) في تشييع الرئيس رفيق الحريري وذهابه إلى قريطم رغم كل الاعتبارات الأمنية والمعنوية والجو المتشنج الذي ساد البلاد إثر وقوع جريمة الاغتيال التي كان لها وقع الزلزال.
ــــــ السلفة الثانية، تصويته في مجلس النواب على قانون العفو عن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، فكانت المكافأة القواتية له بعد 24 ساعة إطلاق النار على الشياح وسقوط قتيل و12 جريحاً من حركة «أمل»، ولم يصدر عن «القوات» يومها أي اعتذار .
ــــــ السلفة الثالثة، عقد مؤتمر الحوار الوطني، حيث إنه «مان» على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأقنعه بالخروج عن كل احتياطاته الأمنية وحتى عن منهجيته في العمل السياسي اللبناني، والقبول بأن يكون واحداً من أصل 12 على طاولة الحوار.
ــــــ السلفة الرابعة، زيارته دمشق بعد الجولة الأولى من الحوار فاتحاً الطريق أمام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ليزورها ويفتح صفحة جديدة معها. فكان رده المماطلة وعدم تلبية الدعوة التي وجهها اليه الرئيس بشار الاسد.
ــــــ السلفة الخامسة، تكوينه غطاء سياسياً لحكومة السنيورة بعد عدوان تموز الإسرائيلي عندما ألبسها «عباءة المقاومة السياسية» لهذا العدوان فنقلها من موقع «المتهم والمتواطئ» إلى موقع «الشريك في المقاومة والانتصار»، رغم كل الملاحظات والانتقادات لأدائها خلال العدوان.
ــــــ السلفة السادسة، دعوته إلى «طاولة التشاور» التي أعطت صك براءة لكل الذين تتهمهم المقاومة بالتواطؤ وتغطية العدوان الإسرائيلي، استكمالاً لتبرئة الحكومة من دم المقاومة.
ــــــ السلفة السابعة، وقوفه عند «خاطر» الأكثرية بقطع تواصله مع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود من خلال الزيارات الأسبوعية، أو حتى التشاور، في الوقت الذي كان السنيورة يزوره لـ«التنسيق».
ــــــ السلفة الثامنة، الاعتصام النيابي في مقر مجلس النواب لفك الحصار الإسرائيلي عن لبنان بعد توقف العدوان، بحيث إنه أعطى من خلاله لنواب 14 آذار صفة «النوم المقاوم» على طريقة «ونومكم فيه تسبيح»... و«نومكم في البرلمان مقاومة»، حتى إنه خُيِّل للبعض أن «النوم المقاوم» و«صليات الشخير» كانا كفيلين بفكّّ الحصار البحري والجوي عن لبنان، لتلميع صورة جميع الذين انتقدوا المقاومة وحملوها المسؤولية.
كيف سدد أركان 14 آذار هذه السُّلف لبري؟
المطلعون على موقف بري يجيبون بأن سداد السلف جاء على دفعات من الاتهامات وجهت إليه ومنها:
ــــــ أنه «أداة سورية ــــــ إيرانية»
ــــــ يعرقل إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الحريري ويعمل على منع كشف الحقيقة.
ــــــ يصادر مجلس النواب ويخطفه.
ــــــ اتهامه بأنه طرف في الأزمة ودعوته إلى الفصل بين موقعه رئيساً للمجلس ورئيساً لحركة «أمل»، (فيما لم تفصل 14 آذار بين رئاسة الحكومة وبينها، بل أصرت على وصفها بأنها «حكومة 14 آذار»).
ــــــ التهديد بعقد جلسة لمجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس فريد مكاري خلافاً للقانون والدستور. ومحاولة استكمال إحدى الجلسات يوماً برئاسة مكاري إثر خروج بري غاضباً منها.
ويضيف المطلعون إلى هذه «الدفعات» التطاول الكلامي لأركان 14 آذار ونوابها ووزرائها على بري من وقت إلى آخر، حتى كاد الرأي العام يقتنع بأن الرجل لا يفقه الدستور أو التشريع أكثر من بعض «الأساطين الآذاريين» القانونيين والدستوريين والضليعين في احتساب الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخاب رئيس الجمهورية.
ويقول المطلعون على موقف بري إن هذا غيض من فيض مما تعرض له من فريق السلطة، ما دفعه إلى التهديد بـ«بق البحصة» قبل نهاية شباط الجاري لأن الكيل طفح وبات لا يستطيع أن يجازف في تحمل المزيد، لأن دافعه سابقاً إلى السكوت كان المصلحة الوطنية، أما دافعه الآن إلى الخروج عن صمته فهو المصلحة الوطنية أيضاً، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فكيف بعد أن وصل إلى الاقتناع بأنه يتعامل مع شياطين السياسة من الهواة غير المحترفين؟».