رندلى جبّور
كأنّك في كوكب آخر... أو كأنّه كان من الواجب وضع لوحة على مدخل قاعة الأخوين رحباني في دير مار الياس أنطلياس، أول من أمس، كتب عليها «لم يصنع في لبنان».
فأجواء الحقوقيين والقانونيين من محامين وقضاة وأساتذة جامعيين الذين اجتمعوا في ندوة خاصة بعنوان «تحديث التشريع في لبنان» تختلف عن أجواء الشعب العادي من جهة، والطبقة السياسية من جهة أخرى، أقلّه لناحية النظرة إلى القانون وبعض التصرفات البروتوكولية والأحاديث الخاصة.
على مدخل القاعة، قبل بدء الندوة، يتحدّث رجال خمسينيون، يرتدون البذلات الرسمية، عن الوضع العام في لبنان. وتبدأ بروتوكولات التعارف بين أبناء المهنة الواحدة. ومن جمعتهم مقاعد الدراسة الجامعية عادوا ليلتقوا بعد سنوات طويلة، فيسمع حيناً: «يا أستاذة، والله زمان، بس نحن مقصّرين بحقك». وتأتي الإجابة سريعاً: «كلنا مقصرين بحق بعضنا يا أستاذ بهيدا الجو».
وفي المقاعد الأمامية، يقول محام مسنّ: «القانون بلبنان بيتنازل لصالح الخدمات، إنت بتعرف اللبناني».
وعلى رغم دقة القانون ودقّة رجاله، إلا أن توقيت بدء المحاضرة كان لبنانياً. فبعدما كان معلناً في السادسة والنصف، لم يعلُ النشيد الوطني اللبناني ثم نشيد رابطة متخرجي كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الفرع الثاني للجامعة اللبنانية إلا عند السابعة.
ابتعاد الحقوقيين عن مفهوم القانون المتعارف عليه في دولة موصوفة «بدولة القانون والمؤسسات» لم يبعدهم عن إدراك مشكلة تسييس القانون والاستنسابية في تطبيقه والعبثية في نصوصه.
وبعدما افتتح البروفسور أنطوان مسرّة، الباحث في القانون الدستوري كلمته بالمبدأ الروماني القائل: «لا عذر لأحد في جهل القانون»، فصّل بعض المشكلات القانونية في لبنان بدءاً من التضخم التشريعي، مروراً باستخدام التشريعات لتحقيق مآرب سياسية على قياس أشخاص أو فئات، وصولاً إلى ضرب القواعد الحقوقية الدنيا، تمهيداً لبناء مجتمع آخر في لبنان تغيب فيه البوصلة كلياً.
واستحضر مسرّة مشهداً من مسرحية «الشخص» للأخوين رحباني، حيث يتكئ المسؤول على مجموعة من كتب القانون ويصدر أحكاماً جائرة «استناداً إلى القانون»، وأشار إلى أن الواقع في لبنان يتلخص في هذا المشهد.
و«تطبيقاً» لحديث البروفسور مسرّة، أتى التعليق: «بالصالون وبالبيت وبالفرن، وين ما كان ومين ما كان بيعمل اجتهادات دستورية بهالبلد».
عضو تكتل التغيير والإصلاح، مقرّر لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب غسان مخيبر، شرح عورات التشريعات في لبنان، ورأى أن باكورتها انتقال التحكيم في المجلس الدستوري من بيروت إلى دمشق، مشيراً إلى أن هذه السياسة لا تزال تعتمد في المجلس الدستوري من أجل إلغاء الرقابة والشفافية والاستقامة في مسائل كثيرة.
أما عضو مرصد التشريع الدكتور بول مرقص، فقد خرج باستنتاجات ثلاثة هي: الجنوح نحو اعتبار التشريع أداة تنفيذية في يد الأغلبية النيابية، ثم تسخير القرار الإداري والقانوني لخدمة الموقف السياسي، بالإضافة إلى عدم اضطلاع السلطة التشريعية بأدوارها الرقابية والتشريعية.
وبعد المبدأ الروماني، ولد مبدأ جديد في لبنان هو: «التشريع ثابت، فيما تفسير التشريعات يتغيّر وفق هوى المفسّرين، «وألله ينجّينا من المفسّرين».