الأصدقاء مفجوعون. القرّاء لا يصدّقون. الشركاء والزملاء وأهل الفكر والقلم يسعون إلى مواصلة النقاش. الكلّ مصرّ على الكتابة عن جوزف وإليه. موقع “الأخبار” على الشبكة تعرّض للضغط الشديد، ما أدّى إلى انقطاع الصلة، واستحالة الدخول إليه لبعض الوقت. الشهادات تنهال على مكاتبنا من كل أنحاء لبنان والوطن العربي والعالم... عبر الانترنت، والفاكس والرسائل المكتوبة. مواطنون وقراء، بعضهم لا يكتفي بالرثاء، بل يريد أن يشهد، أن يعبّر عن رأيه، ويطالب “الأخبار” بمواصلة هذه المغامرة التي بدأت حلماً في ذهن جوزف وابراهيم الأمين ورفاقهما





برقيتـــان من الســـنيورة وعبـــاس ووفـــد مثّـــل الحريـــري حضـــر معـــزياً

تواصل أمس تدفق المعزّين إلى دار نقابة الصحافة لتقديم التعازي برحيل رئيس تحرير «الأخبار» جوزف سماحة، وهيمنت أجواء الحزن والدموع المنحبسة في العيون. وعكس الحضور تشعب اهتمامات سماحة، إذ حضر سياسيون ومثقفون وصحافيون وفنانون وطلاب وقراء

تقبّل التعازي قبل الظهر وبعده النقيب محمد البعلبكي، الوزير السابق ميشال سماحة، رئيس مجلس الإدارة ابراهيم الأمين وأسرة الجريدة وعائلة الفقيد. وأبرق رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة إلى جريدة «الأخبار» ونقابتي الصحافة والمحررين وآل الفقيد معزياً برحيل «الصحافي العصامي... الذي بغيابه فقد المثقفون والصحافيون اللبنانيون والعرب عَلماً من أعلامهم». كما أبرق رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري والسيدة نازك رفيق الحريري إلى عائلة الراحل معزين.
وأبرز المعزين: الرؤساء السابقون نجيب ميقاتي وعمر كرامي، إيلي الفرزلي، وفد كتلة المستقبل النيابية ضم النواب عاطف مجدلاني وعمّار حوري ونبيل دو فريج ممثلين النائب الحريري، والنواب قاسم هاشم، ميشال موسى، حسن حب الله، سمير عازار، وليد عيدو، جمال الطقش، أنور الخليل، بهيج طبارة، بيار دكّاش، المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، والوزراء السابقون طلال الساحلي، الياس سابا، وئام وهّاب، خليل الهراوي، محمد يوسف بيضون، أسعد دياب، ميشال إده، فارس بويز، عصام نعمان، جان عبيد، محمود أبو حمدان. كما حضر النواب السابقون عبد الرحيم مراد على رأس وفد حزب الاتحاد، زاهر الخطيب، مخايل الضاهر، محمود عمّار، البير منصور، ناظم الخوري، تمام سلام، جميل شمّاس، حسين يتيم، جهاد الصمد، صالح الخير، عمّار الموسوي، ادمون صعب، وممثل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن الحاج شحادة وممثلون عن مشيخة عقل الدروز، النائب الأسقفي العام لابرشية بيروت للروم الارثوذكس الارشمندريت الياس الهبر، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد عبد الأمير قبلان، المدير العام السابق لوزارة الاعلام محمد عبيد.
كما حضر معزياً أيضاً السفير الفرنسي برنار إيمييه، السفير السعودي عبد العزيز خوجة، السفير اليمني محمد عبد المجيد قباطي، السفير الياباني يوشيهيسا كرودا، السفير السوداني جمال محمد ابراهيم، القنصل العام لسلوفاكيا روي سماحة، الأمينة العامة لمنظمة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الاسكوا) ميرفت تلاوي، رئيس منتدى السفراء في لبنان السفير فؤاد الترك، الملحقة الإعلامية بالسفارة البريطانية عبير برير، الملحقان الإعلاميان في السفارة الكويتية محمد بدر بن ناجي وفيصل المتلقم، الملحقة الإعلامية في السفارة الأميركية ندى يمين، مدير مكتب السيد علي السيستاني في لبنان حامد الخفاف، رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، المدير العام لمجلس الجنوب هاشم حيدر والمدير العام السابق لوزارة الداخلية عطا الله غشّام.
وحضر أيضاً الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الدكتور خالد حدادة على رأس وفد من الحزب، مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي، عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده، وفد الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة انطون أبي حيدر، رئيس تجمّع الإصلاح والتقدم خالد الداعوق، عضو المكتب السياسي في حركة أمل نسيب حطيط، نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي، نائب رئيس الحزب الكتائب جوزف أبو خليل، نائب رئيس جبهة العمل الاسلامي الشيخ عبد الناصر جبري، رئيس جمعية الدعاة الشيخ محمد أبو القطع، وفد من المرابطون برئاسة الدكتور محمد درغام، وفد الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وفد الجهاد الاسلامي برئاسة أبو عماد الرفاعي، حزب الشعب الفلسطيني، وفد من تجمّع اللجان والروابط الشعبية برئاسة معن بشور، حزب الطاشناق، حزب رزكاري الكردي اللبناني، عضو المجلس المركزي في حزب الله علي فيّاض، مسؤول التثقيف السياسي في التيار الوطني الحرّ الدكتور بسام الهاشم، الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي جبران عريجي، هيئة علماء بيروت، نقيب الممثلين في لبنان انطوان كرباج ووفد من الفنانين ضم رفيق علي أحمد وأحمد قعبور وعبيدو باشا وفهد العبدالله، الفنانة نضال الأشقر، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن مترئساً وفداً نقابياً، رئيس مؤسسة عامل الدكتور كامل مهنا، وفد الجمعية اللبنانية للأسرى المحررين برئاسة عطا الله حمود، ممثلة لجنة «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» المخرجة الإيطالية مونيكا ماوري، المدير العام لتلفزيون لبنان ابراهيم الخوري، مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله حسين رحال، رئيس تحرير جريدة الأنوار رفيق خوري، وفد من جريدة «النهار»، وفد من جريدة «المستقبل»، رئيس تحرير مجلة الاقتصاد والإعمار حسن مقلد، وفد من تلفزيون الـOTV، وفد من تلفزيون المنار، وفد من تلفزيون الـ NTV، وفد من تلفزيون الـNBN، وفد من مجلة الانتقاد، أسرة مجلة المغترب، وفد من جريدة النهار، وفد من إذاعة صوت الشعب وجريدة النداء، وفد وكالة رويترز، مركز الأمم المتحدة للاعلام، وفد النادي الثقافي العربي، نقيب أطباء أسنان بيروت الدكتور انطوان كرم، نقابة المصورين، رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير، وفد من الحركة النسائية اللبنانية، وفد من مهارات، جمعية بيروت للصورة ـ الذاكرة، وفد اتحاد الجمعيات والروابط والهيئات البيروتية برئاسة راجي الحكيم، نقيب المهندسين السابق صبحي البساط، رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان المحامي نعمة جمعة، جمعية أبناء الوطن، وفد جمعية مناهضة العولمة برئاسة زياد عبد الصمد، المؤسسات الأهلية الفلسطينية، رئيس المجلس الإسلامي الفلسطيني محمد نمر زغموت.
وحضر معزياً أيضاً خلدون الشريف، مسعود الأشقر، رافي ماديان، فرنسوا أبي صعب، ميشال عقل، رياض الأسعد، فؤاد شبقلو، العميد أكرم شديد، العميد فؤاد خوري، ابراهيم شمس الدين، الدكتور محمود خريباني، والإعلاميون جورج غانم وجورج قرداحي وزاهي وهبي.
وأبرق رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس معزياً برحيل الزميل جوزف سماحة فقد «خسرت فلسطين كما لبنان قامة شامخة من قامات الاعلام والصحافة والثقافة، وفقدنا قلماً نبيلاً عرف بالنزاهة وامتاز بالاستقامة، والفكر المستنير». وخسرت الصحافة «مساهماً كبيراً في التأسيس لصحافة عربية جديدة وطليعية، حرة وكريمة، وأثرى المهنة بمداد قلمه وفكره المفعم بالالتزام بقضايا الوطن وهموم المواطن، وفي تأسيس وعي عربي وطني متنور وأصيل».
كما أبرقت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان معزية، وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ناصر الدين الغريب بـ «الصحافي اللامع صاحب الكلمة الجريئة»، سفارة الكويت في سلطنة عُمان، السفارة العراقية، السفارة المصرية، المستشارية الثقافية الإيرانية، حزب الإصلاح الجمهوري، جمعية الصداقة اللبنانية البيلاروسية، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الفضائية الشيخ حمد بن تامر آل ثاني، رئيس اتحاد الصحافيين السوريين الياس مراد، وكالة الإعلام الخارجي في قطر، رئيس تحرير جريدة صيدونيا نيوز غسان الزعتري، مجلة حضارتنا، وكالة الأنباء الألمانية، رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أحمد ناصر، الرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس، رئيس المركز الثقافي الإنمائي للمغتربين شربل مالك شلهوب، مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي، نقابة الطيارين اللبنانيين، غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب، مدرسة الإمام الصادق، نقابة خطاطي الصحف والمجلات، وتجمّع المستأجرين في لبنان.



لا نــــزال ننتظــــرك هنــــا... قــــرب مكتبــــك




عذراً، لن أبكي

أمل الأندري

عذراً، لكن لن أبكي، أنا لا أعرفك، وسبعة أشهر لا تكفي لأفتقدك. أصلاً، أنا أتيت مع بيار إلى الجريدة وإذا أحصيت اللحظات التي جمعتني بك ــــــ بما فيها لقاءاتي العابرة والكثيرة بك في رواق الصحيفة ــــــ فالبكاد «تطلع» نصف ساعة. هذا عدل، والأرقام لا تخطئ. نصف ساعة لا تكفي كي أرثيك. لكن قل لي أولاً: «أهي خطواتك الثقيلة التي تعبت من الرواق الضيق أم أنّ الرواق هو الذي ضاق ذرعاً بقدمك التي تسحق قلبه؟
لن أبكي، ما دخلي بك أصلاً؟ حتى أنّني غاضبة منك وأختلف معك أخلاقياً. فكيف أمكنك ترك طفلتك والرحيل هكذا مثل مراهق؟ هي لم تبلغ السنة يا أستاذ جوزف. أستاذ! أتعلم أنّهم أجبروني على مناداتك جوزف؟ أجل أجبروني. قالوا: سيشعر بأنك تفرضين مسافةً بينك وبينه. لذا، كنت أناديك بعد محاولات تهرّب فاشلة، جوزف... لكن بسرعة، على غفلة، تماماً كما جاء رحيلك.
أتعرف؟ مساء الأحد، عندما راح الزوّار يتوافدون علينا كالاجتياح، لمحت قامةً طويلةً بينهم، قلتُ: «ها هو قد عاد. إذاً، كانت تلك حيلة، أراد أن يعرف من سيبكيه. رحت أدنو شيئاً فشيئاً من كوة الضوء، وكلما كانت خطاي تقترب من تلك القامة الطويلة، كانت تقضم الأمل في قلبي... طيب، إذاً جاء ليعزّي طفلته بمصابها! يا له من ساديّ، يتفنّن بأدوات تعذيبه.
قلت لك سلفاً لن أبكيك، لكن، يا أستاذ جوزف، حركاتك الصغيرة التي تركتها بخبث تتسلّل إلى قلبي تأبى الآن أن تغادر. حركاتك الصغيرة ما زالت تستكين فيّ، تتكدّس كالحجارة ثقيلة ومؤلمة. هكذا أنتَ، تتلهّى برمي الحجارة في البحيرة، وتنسى أّنها ستنتهي جاثمةً على القلب وقابضةً على الروح.
لن أبكي، نصف ساعة لا تكفي لزرع الفوضى داخلي. نصف ساعة «نصرفها» عادة في زحام شوارع بيروت، في «مول»، أو «بوتيك». بالطبع لا تكفي. وأنا لم أعتد وجودك. في كل شيء، يجب أن نعتاد، أن نجمّع الذكريات ونكدّسها... كي نبكيها لاحقاً. أعجوبة أن تسحقك نصف ساعة. هل أنا هشّة إلى هذا الحد؟ أم أنّك أنتَ الحاضر إلى هذا الحدّ؟
لن أبكي، ما دخلي بك أصلاً؟ لكنّ وجهك المعلّق في الرواق يقلقني، قامتك الثقيلة تظلّل وجودي كغيمة تستعدّ لشتاء طويل، وهذا الثقب اللعين يؤلمني. آه، نسيت أن أقول لك: كيف ترحل، وأنا لم أعتد غيابك بعد؟



قصّتي مع جوزف سماحة... حلم طفولة
رندلى جبّور

قصّتي معه قصّة حلم طفولة. فقد سألَنا مدرّس اللغة العربية في الصف الثانوي الأول عن «شو بدكن تعملوا وقت تخلصوا مدرسة»، وجاءت إجابتي عفوية وسريعة: «سأصبح مثل جوزف سماحة». كان يمكن القول: «سأتخصص في الصحافة» أو «سأدخل عالم الإعلام»... لكن رئيس تحرير جريدة «السفير» آنذاك اختصر بالنسبة لي الصحافة والإعلام والفكر والتحليل والقراءة السياسية حتى بات اختصاصاً بذاته!
وتعرّفت به...
مرة جديدة... هو الموت! وتستيقظ ردات الفعل بين الحين والآخر لتختصر ألم فقدان قلم، لا يشبه الأقلام. ويسمع مثلاً: «جوزف مش لازم يموت» و«الأستاذ سماحة مستحيل يغيب عنّا هلقد بكّير»... لا تحزنوا! فمثل أولئك الناس لا يغيبون... لقد تركوا خلفهم أجيالاً من عبقرية تلك المهنة وفواصلها ومداخلها ودهاليزها التي لا تحصى... بل تركوا أطفالهم الكلمات يلهون بين السطور لنكتشف في عمقهم جديداً كل يوم!
فوداعاً لشخصك، وأهلاً بخلودك في ما هو أقوى وأطول عمراً! وداعاً «أستاذ جوزف»!!



لا تنسَ أن تبتسم
رشا أبو زكي

تعمّدت الرحيل، اعترف. تقصدت الموت في كل مقالة كتبتها. حاولت أن تنزع عن شوك الورود ربطات العنق. جعلت أسياد القهر عراة الا من كلماتك العاصفة. سهامك ستبقى في قلوبهم، ودقات قلبك ستنبض في عروق هذه الجريدة...
أيها الأستاذ، لا نزال ننتظرك هنا قرب مكتبك. نسترق النظر الى كنبتك السوداء، أين انت الآن؟ لمَ لا تجيب؟. نحن براعم «الأخبار» نتشوّق لمياهك كي تحولنا ثمار حرية. كيف سنتباهى بعد الآن بأننا في مدرسة سماحة، ماذا سنقول لكل من يرفض حريتنا، بأن أستاذنا سيبقى خنجراً في عنقهم؟ لماذا تركتنا باكراً؟ ظننّا أنّك سترافقنا في مشوارنا الصحافي. والآن ماذا؟
ألم أكن من المؤمنين بأنك الآن ستسمعني، لكنك جعلتني أساوم، نحن من خلّفتهم أيتاماً سنساوم معك فقط. سأخاطبك، سأقترح عليك بعض المواضيع، سأزعجك ببعض ما يقلقني وسأسمعك تقول لي «اصبري»، سأحب هذه الكلمة، سأنتظر بعض الكتب التي وعدتني بها.
أستاذ جوزف، لا تنسَ أن تبتسم كل يوم، سألتقيك حتماً، فأنا شاردة دائماً خارج قسمي. وحين ألتقيك سأبوح لك بسر أعرف انك لن تفضحه: هنا في جريدتك، في كل زاوية مررت بها، أبناؤك يبكون، بدأت أصدق ما السبب. وإليك بآخر، صورك في كل مكان على الحيطان، في قلوبنا، على شاشات الكومبيوتر. هناك مقاعد كثيرة خارج المكاتب، والرواق احتله رفاقك، اصدقاؤك وأبناؤك من جرائد أخرى، ونحن مذهولون، نحاول مقاومتهم بنظرة ترفض كلمة الموت ولا ننجح. وفي زاوية خلف الكومبيوتر، هناك من يحاول أن يخفي عيونه، يشعر بعدم الانتماء، يسمع انه لن يراك مجدداً، ولن يستطيع أن يشرب القهوة عند قراءة مقالاتك صباحاً، قد لا يشرب القهوة بعد الآن، ولن يفرح بقطع قالب الحلوى في عيد ميلاده في الخامس والعشرين من شباط. ولن يتخطّى ثمانية أشهر تعوّد فيها قلمك، لأنه يعلم أنه في هذا الوقت قد يلتقيك يومياً، قد يرى ابتسامتك، قد يدخل الى مكتبك، ويرتبك في تواضعك. سيحاول ألّا يبكي... سيفشل. جوزف سماحة، ليتني قلت لك كم أحبك.



سافرت باكراً يا صادق الالتزام
طارق ترشيشي

لم يكن جوزف سماحة يدرك أنه سيكون يوماً خبر «الأخبار» التي ذاع صيتها سريعاً وأخذت حيّزها بين زميلاتها من كبريات الصحف اللبنانية والعربية بعدما عمل بدأب وصمت مع الزميل ابراهيم الأمين ونخبة من الزملاء على التأسيس لإصدارها لتكون مثالاً للصحافة الملتزمة قضايا الوطن والأمة.
وقد شاء القدر، أمس واليوم، أن يكون جوزف سماحة خبر صحيفته «الأخبار»، وأن يتصدر الأخبار في كل وسائل الإعلام وعلى ألسنة قرّائه ومتابعيه من أهل السياسة والصحافة وغيرهم في دنيا لبنان والعرب والعالم الذين خسروا برحيله قلماً ملتزماً حتى العظم القضايا العادلة الوطنية والقومية والأممية، مدافعاً عنها حتى حدود التضحية بالنفس.
جوزف سماحة كان أليف الكلمة ومؤلّفها، وكان أبجدية ومدرسة في الصحافة وعلم كتابة المقال، يتنقل يومياً بين القراءة ومتابعة الأخبار والبرامج السياسية في الأرضيات والفضائيات، حتى تخاله يريد أن يحيط بكل أخبار الكون وأحواله في كل الميادين دفعةً واحدةً وفي لحظة من شدة نهمه وولعه بتتبع الأخبار، القريب منها والبعيد. كان قارئاً جيداً ومستمعاً جيداً. ولم يكن يخشى في الحق لومة لائم، جريئاً الى أقصى الحدود، وسهلاً ممتنعاً، يقارب الواقع بأُسلوب يُعبّر عن إحساس مرهف تعكسه معالجته للقضايا التي يتناولها في مقالته التي كان يسكبها في قالب من الأدب السياسي المغتني بالمعلومة الموثقة والمهنية العالية والالتزام الوطني الصادق.
وجوزف سماحة مثال الإنسان الملتزم قضايا وطنه وأمته، وقد صقل التزامه وجعله نبراساً للآخرين عندما دخل معترك مهنة البحث عن المتاعب، بارعاً في المزج بين مهنيته وموضوعيته والتزامه الوطني والقومي، بحيث إنّه لم يجعل أياً من هذه المزايا تطغى على الأُخرى . فكان مهنياً بكل ما للكلمة من معنى، وكان موضوعياً الى أقصى الحدود، وكان ملتزماً قضايا لبنان وشعبه وقضايا العرب من دون هوادة. فلقد كان صحافياً فذّاً ولبنانياً كبيراً وعربياً كبيراً.
عرفت جوزف سماحة عن قرب عندما التحقت بأُسرة «الأخبار» التي كان قد مضى على بدء صدورها نحو شهرين. لكني كنت أعرفه جيداً من خلال افتتاحيته التي كانت تتصدر الصفحة الأولى من صحيفة «السفير» التي رأَس تحريرها لسنوات، بحيث إني وكثيرين من زملائي «أدمنّا» قراءة هذه الافتتاحية قبل أن ننطلق الى ورشتنا اليومية في مهنة البحث عن المتاعب. وقد ازداد إدماننا هذا عندما انتقل من رئاسة تحرير «السفير» إلى رئاسة تحرير «الأخبار» لتتصدّر افتتاحيّاته صفحتها الأولى يومياً.
كانت آخر كلماته لي عشيّة سفره قبل أيام إلى لندن: «عجِّل خلّص المانشيت. ما بدي إسهر كتير الليلة لأنو عندي بكرا سفرة بكير...».
كنت أعلم أنّه يريد السفر إلى لندن في اليوم التالي لمواساة صديقه وزميله حازم صاغية بوفاة زوجته المرحومة مي غصوب.
لقد سافرت إلى الرفيق الأعلى باكراً يا جوزف، وها نحن نتقبل المواساة بك من محبّيك وأصدقائك وكل من كان يقرأك.
سافرت يا جوزف... لكن سيمضي وقت طويل حتى ننسى انتظارك للتشاور في نشر خبر وتحديد موضوعات الصفحات و«المانشيت» وحتى ننسى طلّاتك المتلاحقة علينا في مكاتبنا كأنك تتفقّدنا وتطمئن علينا، لا لإعطاء أوامر أو توجيهات، والحق يقال إننا ما أحسسنا بك يوماً رئيساً يأمر مرؤوسيه، وإنما كنت واحداً منّا نتقاسم الزّاد أحياناً كما نتقاسم العمل، وكنت دائماً أول من يبدأ يوم «الأخبار» وآخر من ينهيه.
إلى جنان الخلد يا جوزف...



الأستاذ
وفيق قانصوه

كم كنت أغبط بيسان عندما كانت تمر عليّ بين حين وآخر وتخبرني أنها آتية للتو من عندك. كنا دائماً نتفق على أن نزورك، لكننا لم نفعل. اذ كنت أقدّر دائماً أن مشاغلك أكثر من أن تسمح بأن نأخذ من وقتك، فاكتفيت بأن أتصل بك بين حين وآخر شاكراً لك مقالاً عبّر عن مكنوناتي وأثلج صدري، فتهرب من الاشادة بكلمة: «مرّ نتغدّى». لكنني لم أمر ولم «نتغدّى»، اذ كنت أعتبر ذلك مجاملة، أنا الذي اعتدت رؤساء تحرير لا يردّون على الهواتف مباشرة ولا يتغدّون الا مع الكبار.
أقنعني بيار بالمشروع ــــــ الحلم والتقينا. لا أخفيك أنني شعرت بالفخر اذ أنا و«الأستاذ» جوزف الى طاولة واحدة في مقهى الروضة. مقاومة اغراء العمل معك غير ممكنة، انا الذي لم أستطع أن «أكمشك» منذ تركت لندن للعمل معك في «الحياة»، الا أنني قبل أن أصل الى بيروت وجدتك في «السفير». عاتبتك فقلت لي تعال الينا اذا شئت.
أخيراً نحن في جريدة «الأحلام»، أحلامك وأحلامنا.
جوزف... كم تدربت على أن ألفظ اسمك، هكذا، «حاف» مثلما طلبت مني. أستجمع قواي وأقولها، شاعراً بأنني ارتكب ذنباً. ولم لا؟ ألست الأستاذ؟ ليتك أبقيت حاجز «الأستذة» بيننا. لن أسامحك على هذه الخطيئة ما حييت.



صديقي الذي لا يشبهني
نادر صبّاغ

«إنّي تعبان...» قالها لي منذ أسبوعين. أن يقولها جوزف، فهو يعنيها. لم يعودنا أن يقول شيئاً مماثلاً أو أن يشتكي. عادة كنا نحن الذين نتذمر إليه، وكان هو يستمع.
لم تنجح محاولاتنا في إعطائه إجازة ليبتعد عن الجريدة ويستريح قليلاً، كان يردد «البلد ما بينترك». هاتفني قبل أسبوع ليخبرني بأنه متردد في السفر إلى لندن. هو لا يحبها أصلاً، كثيراً ما أخبرني بذلك، لكنه يريد أن يكون قريباً من حازم في مصيبته.
ماذا أفعل بك لو متّ قبلي، دائماً كنت أسأله ممازحاً، «افعل ما يحلو لك، احرقني، ادفنّي في أي مكان، الجسد بلا روح لا قيمة له» كان يجيب. مرة قال لي في جنازة والدة صديق «ادفنّي في مقبرة الشهداء».
حلمنا طويلاً بوسيلة إعلامية مكتوبة، جريدة أو مجلة، لا يهم... المهم أن تكون تشبه جوزف سماحة. كان يفضّل مجلة، يراها «ضرورة عربية»، لكنها كانت «الأخبار». في جعبتي الكثير من الأوراق بخط يده عن التصورات الأولية للجريدة، تبويب الصفحات، آلية العمل، الاقسام، المحررون، المواضيع. كان يقول لي ضاحكاً «احتفظ بها سننشرها يوماً في مجموعة كاملة دليلاً على فشلنا في أن يكون لدينا جريدتنا، في عالم كهذا، أمثالنا لا يمتلكون جرائد»، وكنت محقّاً.
كيف اجتمعتما معاً، يسأل صديق جوزف عنّا. هو العلماني اليساري المتحرر، وأنا الاسلامي الاصولي. تركيبة غريبة لم يفهمها الصديق حين دفع جوزف فاتورة زجاجة النبيذ في عشاء كنت دعوته إليه وكان هو حاضراً. أجابه سماحة «في رأسه ثقب يصعب ردمه، لكن العيش معه سهل». كان يقبل الآخر من دون مشقة، رغم اختلافه عنه وخلافه معه.
كثيراً ما خضنا في أحاديث الدين والله والعدالة والقيامة والحساب، كانت له رؤيته التي لم يغيرها، ولم تنجح محاولاتي في تغييرها، تماماً مثل أرقام اليانصيب التي لم يغير اختيارها على مدى 14 عاماً في باريس.
«أبا أمية» كما كان يحلو لك أن أناديك أحياناً، قيل فيك الكثير، وسيقال أكثر. لن أزيد. لا قيمة للكلمات. سأحتفظ لنفسي بالذكرى، وبمفتاح بيتك، لكني أقول لك: حزين أنا لأنك تفلت من يدي...



آخر اليساريّين... وداعاً
معمّر عطوي

هو اليساري الذي صمد في موقعه حين أصبح اليسار تهمة، فكان القلم الذي ننتظره في «السفير» بمثابة الخبز اليومي، يقدم لنا بأفكاره وتحليلاته تعزية عن موقف مفقود في الصحافة اللبنانية. فكانت افتتاحية السفير ربما العزاء الوحيد لقارئ يبحث عن نبضه الوطني والعربي، ولا أبالغ إذا قلت الإسلامي أيضاً.
هو اللبناني بلا طائفة، العربي بلا عنصرية، اليساري بلا انتهاز، الإنسان الذي يخطّ نبض المقهورين والمحرومين بصدق وبراعة تجمع ما بين لغة الصحافة السهلة وعمق الفكرة.
لم يكن جوزف سماحة مجرد كاتب صحافي، ولكن هو ذاك المفكر الذي أعطى الصحافة عمق مادتها، وهو الإعلامي الذي أعطى للعقل امتداداته في روح النقد السياسي، فكان فيلسوفاً سياسياً يبتكر الأفكار ويحلل المعطيات وينقل إلينا آخر تفاصيل المؤامرات من لغات متعددة، مفضّلاً أن يضيء شمعة لأبناء جلدته من المحرومين على أن يلعن ظلام الدكتاتوريات والرقابات وقوى الهيمنة.
منذ سنوات عرفت جوزف الكاتب والصحافي الموضوعي الذي يوصل الفكرة الى القارئ بلا تشنّج ولا رفد أيديولوجي. ينقلك الى عالم خارج لغة الاصطفاف السياسي المعهودة في لبنان، وخارج لغة الطوائف. لكن في الأشهر الأخيرة وحين انضممت الى فريق جوزف سماحة «المقاوم» في جريدة «الأخبار»، عرفت جوزف الإنسان المتواضع البسيط الذي لا يشعرك بفارق الدرجة المهنية.
يدخل الغرفة بتحية أصبحت معروفة «كيف الشبيبةط أو «كيف الشعب»، يناقش ويسأل أحياناً أصغر المحررين عن معلومة ليس متأكداً منها.
مهما كتب أو قيل في حق جوزف سماحة لن ينال الرجل حقه، بالمقارنة مع ما دفعه في مسيرته النضالية التي تبدأ من فلسطين وتمتد حتى أقاصي الأرض، باحثاً عن عدالة مفقودة هنا أو سجين رأي هناك أو ضحية استعمار واحتلال هنالك.
أمام هامة جوزف سماحة لا يسعنا إلا القول إنه باق في ضمائرنا، نتذكره عند كل عملية للمقاومة العراقية أو الفلسطينية أو اللبنانية. نفتكره عند كل وقفة عز تصدر عن مناضل حتى لو كان في أميركا اللاتينية، لأنه هكذا فهم الثورة.. عالمية أممية. فكان اليساري بحق.. إن لم يكن آخر اليساريين في الصحافة اللبنانية.